سرية مراجعة التربية الإسلامية و إشكالية التنزيل

سرية مراجعة التربية الإسلامية و إشكالية التنزيل

عبد الرزاق بن شريج عضو المكتب الوطني لنقابة مفتشي التعليمhqdefault

في البدء تجب الإشارة إلى أن مراجعة المناهج و البرامج ضرورة حتمية بعد كل عشر سنوات باعتبارها الفترة الزمنية التي تمكن الخبراء و المهتمين من تقييمها، و كذلك الحاجة إلى مسايرة المستجدات الداخلية و الخارجية، و عليه كان من المنتظر أن تتم المراجعة الشاملة للمناهج و البرامج بالمدرسة الابتدائية منذ سنة 2011 حيث أصدرت الوزارة في عهد كاتبة الدولة لطيفة العبيدة دفتر تحملات في أكتوبر 2011 و انطلقت لجان التأليف في إعداد الكتب المدرسية، كما خصصت الوزارة لمنسقي هذه اللجان في بداية سنة 2012  تكوينا حول كيفية التعامل مع دفتر التحملات، من أجل تغيير البرامج و المناهج ابتداء من السنة الدراسية 2013/2014 عبر المراحل الثلاث، إلا أن مجيء الوزير السابق الوفا، أوقف العملية برمتها لأنه لم يقتنع بجدوى تغيير البرامج و المناهج، حيث قال في افتتاح أشغال تكوين المؤلفين بمركز الملتقيات بالرباط الذي حضرته بصفتي منسق لجنتي تأليف، ما يلي ” الكتب المدرسية جيدة و ممتازة، لقد قرأتها كلها ووجدت أنها رائعة فلا داعي لتغييرها،… لو لم يطلبني هذا الرجل { يشير إلى مدير المناهج و البرامج } لما أوقفت هذه العملية حالا، إن كنتم تعتقدون أن اللجنة الوطنية للمصادقة هي التي ستتولى الحكم على جودة ما ستؤلفونه من كتب فأنتم واهمون، ليكن في علمكم أنني سآخذ ما ستنتجونه إلى مراكش من أجل عرضه على أصدقائي و أحفادي قبل عرضه على اللجنة الوطنية و ما لا يقبل من طرف الأصدقاء و الأحفاد فلن يقبل ….” إن قراءة و لو سريعة لهذه التصريحات تكشف، دون بذل أي مجهود فكري، أن ما قامت به هذه اللجان سيضيع بجرة قلم، و فعلا توقفت عملية المراجعة، و توقف التأليف، و ضاع المجهود، و الأمل في التغيير و الإصلاح، إلى أن أخبرتنا الوزارة باشتغالها على برنامج منقح ضمن التدابير ذات الأولوية، قبل إصدار المجلس الأعلى لرؤيته الاستراتيجية 2015/2030.

وفي انتظار ما ستسفر عنه نتائج التجريب في بعض المؤسسات حول البرنامج المنقح الذي لم يجرب في كل الجهات، و بعد تعثره و عدم تعميم نتائجه هذه السنة الدراسية (2016/2017) كما سطرت الوزارة،  و بعدما أصدر ملك البلاد تعليماته لوزارة التربية الوطنية و وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية يوم 6/2/2016 و بعد تكتم دام 7 أشهر اصدرت وزارة الوطنية المذكرة رقم 773/16 بتاريخ 7/9/2016 تطلب من خلالها مديري الأكاديميات و المديرين الإقليميين والمفتشين عقد لقاءات تربوية تأطيرية للسادة الأساتذة، أردفته بلقاء تأطيري بمركز الملتقيات ترأسه السيد الكاتب العام للوزارة يوم 8/9/2016  حيث صرحت الوزارة أنه ” بفضل تظافر جهود كل المتدخلين طيلة 7 أشهر من العمل المتواصل، تمكنت الوزارة من تحقيق الهدف من هذه العملية و هو مراجعة الكتاب المدرسي لمادة التربية الإسلامية، و وضعه رهن إشارة الأساتذة و التلاميذ خلال الموسم الدراسي الحالي، وفق التوجهات الجديدة شكلا و مضمونا …”  كما ذكرت – بخصوص عملية تنزيل هذا المنهاج الجديد – أن الوزارة تؤكد على ضرورة تفعيل دور المفتشين من أجل تأطير و مواكبة هذه العملية و مساعدة الأساتذة على التنزيل الأمثل لهذا المنهاج الجديد، و تحدثت عن كون المنهاج جاء وفق تصور متكامل يروم الحد ما أمكن من نقائص المنهاج الحالي وفق الشروط و الضوابط المنهجية و البيداغوجية المنصوص عليها في دفتر الحملات.

إن وقفة تأملية لما قامت به الوزارة في غياب إشراك العناصر الأساسية للمدرسة سواء في التصور أو البناء أو التنزيل يعطينا الحق في تأويل الأمور إلى التالي :

  • إن العرض الذي قدم بمركز التكوينات والملتقيات الوطنية بالرباط أمام المفتشين ركز على  مفهوم و غايات و مقاصد التربية الإسلامية دون الحديث عن الجديد في منهجية التدريس و المقاربات التي ستعتمد علما أن ورقة التوجيهات المنشورة بالموقع الإلكتروني للوزارة تشير للوضعيات مما يدعو إلى تكوينات خاصة في هذا المجال؛
  • إن القراءة الأولى لما جاء في  تصريح الوزير السابق تكشف أن مؤسسة الوزير تشتغل بالمزاج الشخصي للوزراء (أي وزير كان)، و لم نصل بعد لبناء مؤسسات تشتغل باستراتيجية و مشاريع مؤسساتية؛
  • إن غياب التفكير و العمل المؤسساتيين من طرف مسؤولي الوزارة سواء أعلى المناصب السياسية أو الإدارية، سيكون السبب الرئيس في عرقلة أي إصلاح أو تغيير على المستوى الاستراتيجي؛
  • نحن نعرف أن مسألة تأليف الكتاب المدرسي يخضع لاعتبارات خاصة و يمر التأليف في تكتم تام و تعتبره الوزارة من الأسرار التي لايمكن لغير المقربين التطفل عليه، كان الأولى بها تعميم دفتر التحملات على الخبراء الميدانيين سواء في التدبير أو التفتشين حتى تعم الفائدة و يتمكن الجميع من معرفة التصور العام للعملية، و تتبع ما تقوم به لجن التأليف …
  • إن إفراغ المصالح المركزية ( المفتشيتين العامتين والمديريات ) من أهل الاختصاص ( مفتشي وأساتذة الابتدائي ) لن يمكن الوزارة من وضع التصور الحقيقي لتدبير المدرسة الابتدائية ، و نفس الشيء عن الثانوي بنوعيه؛
  • لم تنجح الوزارة فيما وعدت به و غاب الكتاب المدرسي عن السوق مما دفعها إلى إصدار بلاغ يوم 16/9/2016 تطمئن من خلاله الرأي العام بأن الكتب المدرسية ستكون بالسوق المغربية في غضون أسبوعين على أبعد تقدير،
  • تأخير صدور كتب التربية الإسلامية فتح المجال للمضاربة و ترويج كتب غير مصادق عليها من طرف بعض الناشرين، و هو ما دفعها إلى إصدار بلاغ آخر حملت فيه كامل المسؤولية للناشرين المسؤولين عن “طبع وتوزيع هذه الكتب غير المقررة وكافة التبعات المترتبة عن أية أخطاء قد تشوبها”؛
  • حتى بعد صدور كراسات التلميذ و التي لنا عليها بعض الملاحظات، لم تصدر كراسة التلميذ للمستوى الأول، مما أربك المدرسين و وضعهم بين خيارين تنفيذ المذكرة الوزارية رقم 339/16 الصادرة بتاريخ 7/10/2016 التي تؤكد على استعمال الكتب المصادق عليها فقط (الواردة في اللائحة المرفقة بالمذكرة) حيث لا وجود للمستوى الأول، و إبقاء المتعلمين و الأساتذة دون مراجع؟، أو الاستعانة بغير المصادق عليه من طرف الوزارة؟،
  • عدم صدور كل كتب التربية الإسلامي أعطى فرصة للبعض للتشكيك في سر ذلك، كإعطاء فرصة لغير المرخص له بالانتعاش …؛
  • تسريب أخبار عن ممارسة الضغط على اللجان من أجل الإسراع بإنهاء أعمالها و عدم إعطائها الوقت الكافي لتدقيق المضامين و المنهجية، تسبب في تسرب بعض الأخطاء لكراسة التلميذ؛
  • لم تفسر الوزارة للممارسين ما سر تجنب شرح بعض الكلمات التي كانت مشروحة في نفس السور الواردة بالبرنامج السابق، و هل يعتبر شرحها خير مسموح به…
  • عدم صدور كراسة التلميذ للمستوى الأول و دليل الأستاذ بكل المستويات إلى الآن، و عدم توضيح الوزارة أنها ستصدره أو سيطلب من الأستاذ الاشتغال على إعداد جذاذات انطلاقا من التوجيهات التي وضعتها في موقها الرسمي خلق نوعا من التشويش على العملية برمتها، خاصة و أن الأستاذ اعتاد على وجود جذاذات جاهزة بالدليل.
  • عدم إصدار توجيهات في شأن طريقة التعامل مع المراقبة المستمرة (الفروض المحروسة) بحكم تغيير أسماء المكونات، تغيير عددها من 3 إلى 4،
  • عدم مواكبة خدمة ” مسار ” للتغييرات الجديدة و الإبقاء على تسميات و عدد المكونات القديمة للتربية الإسلامية.

على سبيل الختم

 

دون الدخول في الأمور التقنية الدقيقة التي يعيشها المفتش و الأستاذ و المتعلم و التي تحتاج إلى مناقشة تفاصيل التفاصيل بحكم مهنة التربية و التعليم، و ما تتطلبه هذه المهنة من تعاون بين المنظر و المطبق و المصاحب و الموجه، يمكن الجزم أن المنهجية التي اعتمدتها الوزارة في مراجعة التربية الإسلامية تدعو إلى طرح العديد من الأسئلة حول التدابير ذات الأولوية و طرق تنزيلها في ظل العديد من الإكراهات الموضوعية و الذاتية، خاصة تدبير الموارد البشرية في و التوظيف المباشر، و التوظيف بالعقدة، و الأستاذ المتدرب، و قلة المفتشين، و انعدام بعض التخصصات، و متطلبات التكوين المستمر في الميدان،

كما يحق لكل مهتم بالشأن التربوي أن يتساءل عن السر في حجب المعلومة التربوية عن الممارس الفعلي للعملية التعليمية التعلمية، و أين نحن من مستجدات دستور 2011 حيث الحق في المعلومة ملك للجميع كما نص على ذلك الفصل27 منه.