الصوت السردي و ابدالاته النصية

الصوت السردي و ابدالاته النصية

ذ.الباحث في سلك الدكتوراه:محمد دخاي

لتحديد موقع مشكلة الصوت السردي، لا بد من الانطلاق من الفروق التي اقترحها جيرار جينيت بين التاريخ والحكي والسرد، حيث تدعم العبارات السردية أي حبكة وشخصيات تقع في عالم الزمكان. إنها فروق تنظم القصة وفقا لإمكانيات السرد، لاسيما في ما يتعلق بالاختلافات الزمنية، وفي ما يتعلق بنمط الوصول المقدم إلى العالم المحكي – سواء كان مقصورا على وجهة نظر داخلية أم لا، حيث لا توجد بيانات سردية دون سرد ودون حكي سردي. فمن يكون المتحدث إذن؟

من يحدث من؟

تحت مصطلح الصوت، يجمع جيرار جينيت سلسلة من الأسئلة التي تتعلق بشكل عام بالعلاقات والتمييزات الضرورية، التي يجب أن تنشأ بين سلطة كل من المؤلف والراوي والشخصية، فهل يجب أن نميز دائما بين المؤلف الضمني والسارد باعتباره وسيطا اتصاليا كما تسميه نادية هناوي؟ ماذا يحدث عندما يكون الراوي في الوقت نفسه شخصية في القصة التي يرويها؟ أسئلة مهمة تشد الباحث، كيف نحدد العلاقات والحدود بين العالمين الداخلي والخارجي؟ خاصة البعد الزمني، عندما نقيس الفجوة الأكبر أو الأصغر التي تفصل بين وقت الفعل السردي واللحظة التي تحدث فيها القصة، وتفاعل المتلقي أو القارئ معها، حيث ترى نادية هناوي أن القراءة عقد تواصلي بين المؤلف والقارئ، وبها يمكن حل إشكاليات الخطاب النصية الداخلية، اعتمادا على إدراك القارئ لما يقرأه ومدى ثقته بالمؤلف، وكيف أن السارد ليس فجوة بين المؤلف والقارئ، بل هو وسيط اتصالي بينه وبين المؤلف الضمني، وبينهما وبين المؤلف الحقيقي والقارئ، لكن السؤال ماذا لو كان المؤلف مجهولا كما في «ألف ليلة وليلة»، وهي نصوص وصلتنا عبر الاكتمال من خلال ثقافات متعددة، حيث يغيب المؤلف الضمني أو المؤلف الحقيقي.

إن المتلقي الفعلي هو من يملك قوة إدراك الصوت السردي في إبراز علاقة ما بين السارد ومؤلف النص نفسه، في الواقع، يبدو أن مثل هذا الامتياز محجوز للمؤلف حيث يقول بلزاك: «لا يزال الكثير من الناس يسخرون من جعل الكاتب متواطئا في المشاعر التي ينسبها إلى شخصياته؛ وإذا استخدم ضمير «أنا»، فإنهم جميعا تقريبا يميلون إلى الخلط بينه وبين الراوي». هناك نموذج تطبيقي على ذلك أن بلزاك لا يعرف منزل شخصية Vauquer في رواية (Père Goriot)، وهو ما لا يمنع السارد من وصفه بأدق التفاصيل؛ سنلاحظ بعد ذلك أن جورج أورويل كتب رواية 1984 في عام 1948، أي أنه توفي بعد ذلك بعامين، لكن السارد لا يزال على قيد الحياة بعد عام 1984، لأنه يروي قصته بصيغة الماضي؛ أخيرا، يجب أن نتذكر أن السارد يمكن أن يقدم سردا لمشاهد أو حوارات حيوية للغاية، على الرغم من أنها حدثت في ماض بعيد جدا في بعض الأحيان، مما يسمح لأي راوي بالتسلل إلى وعي شخصية واحدة أو أكثر ليكشف المحتوى للقارئ. ويترتب على ذلك أن الراوي في فن الحكي ليس هو المؤلف أبدا، ولكنه دور اخترعه واعتمده المؤلف كما يرى جيرار جينيت (Genette 1972).

جيرار جينيت

تنظيم المعلومات السردية

تتضمن كتابة النص خيارات تقنية تولد نتيجة معينة من حيث التمثيل اللفظي للقصة. هذه هي الطريقة التي ينفذ بها السرد، من بين أشياء أخرى، تأثيرات المسافة من أجل إنشاء نمط سردي دقيق يدير «تنظيم المعلومات السردية» المقدمة للقارئ (جينيت 1972). إن أي سرد هو بالضرورة تحريف لسرد آخر، يمكنه من تحقيق وهم المحاكاة (التقليد) من خلال جعل القصة حقيقية وحيوية، لذا فإن كل قصة تفترض وجود الراوي. لذلك، بالنسبة إلى جيرار جينيت، لا يمكن للسرد أن يقلد الواقع حقا. إنه يريد دائما أن يكون فعلا وهميا للغة، مهما كانت واقعية، لأن السرد لا يمثل قصة (حقيقية أو خيالية)، بل يرويها، أي أنه يدل عليها عن طريق اللغة، (جيرار جينيت 1983) حيث لا مجال للتقليد في السرد، ما يضمن أن الراوي يشارك بشكل أو بآخر في قصته، وأن الأخير يترك القليل أو كثيرا مساحة للفعل السردي، لكنه يصر على أن هذا الراوي ليس غائبا تماما في أي حال من الأحوال، حتى إن كان غير معروف ومجهولا، بل متعددا كما في ألف ليلة وليلة.
ويحدث أيضا أن المؤلفين يستخدمون عملية تجاوز الحدود بين مستويين سرديين، لطمس الحدود بين الواقع والخيال بشكل متعمد. وبالتالي، فإن المعالجة السردية هي طريقة للعب مع اختلافات مستويات من السرد لخلق تأثير ما على المتلقي، سواء أكان أحدهم يؤيد فرضية «التحول السردي» الحديث أم لا، فقد كان هناك بلا شك تجديد كبير في الاهتمام الأكاديمي بالسرد ونظريته وتحليله في العقود الأخيرة، يشار إليها عادة باسم «ما بعد الكلاسيكية»، فإن العديد من هذه المقاربات لها علاقة ضعيفة فقط بالنموذج البنيوي، الذي ارتبط بعلم السرد «الكلاسيكي». ينطلق في رأيي ما نميل الآن إلى تسميته بعلم السرد «غير الطبيعي» وهي رؤى تأتي انطلاقا مما يسميه سعيد يقطين بالمساهمة من أجل الإسهام في بلورة سرديات تتأسس على قاعدة الحوار مع/ والانفتاح على ما تتم مراكمته من إنجازات في تحليل المتن الغربي، من خلال قراءة إنتاجية للمتن العربي.