الاقتصاد “حصان” يجر عربة السياسة بين المغرب و ألمانيا

الاقتصاد “حصان” يجر عربة السياسة بين المغرب و ألمانيا

يبدو أن “لغة المصالح” نجحت في إعادة العلاقات المغربية الألمانية إلى سكتها العادية وأكثر، فبعد أشهر عدة من التوتر الدبلوماسي، جراء خلافات المواقف ووجهات النظر في شأن ملفات الصحراء والهجرة، أعلنت الرباط وبرلين الخميس، الـ25 من أغسطس (آب)، الاتفاق على إرساء تعاون استراتيجي بين البلدين.

جددت ألمانيا، في سياق زيارة وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك إلى المغرب ولقائها مع نظيرها ، دعمها حلاً سياسياً لنزاع الصحراء، مشيدة بالمقترح المغربي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي، وهو ما يعطي للعلاقات الثنائية أريحية أكبر، باعتبار أن المغرب ينظر إلى علاقاته الخارجية مع باقي البلدان بنظارة الصحراء، وفق تعبير خطاب للملك محمد السادس قبل أيام قليلة.

وأفاد الإعلان المشترك، الذي أعقب مباحثات وزيري خارجية المغرب وألمانيا، بأن البلدين اتفقا على العمل من أجل الحفاظ على استقرار واستمرار الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، مضيفاً أن الطرفين جددا التزامهما بالمساهمة في تعزيز هذه الشراكة على جميع المستويات، من خلال الاعتماد على كل المكتسبات والمواقف المعبر عنها في الإعلان المشترك بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في يونيو (حزيران) 2019، الذي أسس لشراكة أورو- مغربية.

وثمنت ألمانيا جهود المغرب الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، خصوصاً مشاركته في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ورئاسة مجموعة العمل الأفريقية للتحالف العالمي ضد تنظيم “داعش”، بينما أشاد المغرب بالمشاركة الفعالة لألمانيا في أشغال المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وفي الاجتماع الوزاري للتحالف العالمي ضد “داعش”، المنعقد بمدينة مراكش في 11 مايو (أيار) الماضي.

استغلال التوتر المغربي – الفرنسي

محمد عصام لعروسي المتخصص في الشأن الاستراتيجي والعلاقات الدولية يرى أن الدفء عاد إلى العلاقات المغربية – الألمانية منذ تبادل الرسائل بين الملك محمد السادس والرئيس الألماني، التي أشاد فيها بمبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، وتجاوز المأزق الدبلوماسي بين البلدين الذي دام أشهراً عدة.

وقال لعروسي، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، إن لقاء وزيري خارجية المغرب وألمانيا يدخل في سياق ترتيب وتمتين العلاقات الثنائية بين الرباط وبرلين، بما فيها تأكيد بعض الثوابت الأساسية بالعلاقات الاستراتيجية بين ألمانيا والمغرب.

وشدد على أن هناك استفادة متبادلة بين المغرب وألمانيا، التي تحاول الاستفادة من الفراغ و”التوتر الصامت” بين المغرب وفرنسا، الشريك الاقتصادي الأول مع الرباط، شارحاً بأن برلين بهذا التقارب تحاول أن تحل محل باريس كشريك أساسي في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وحتى في الشراكات الثقافية.

وأشار لعروسي إلى أن ألمانيا ترغب في التعامل مع المغرب، مشيراً إلى أنها تدرك أهمية الإشارات التي أطلقها الملك محمد السادس في خطابه الأخير بقوله إن “الصحراء هي النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم”.

ولفت إلى أن المغرب من جهته يستفيد من عديد من المشاريع التي تنوي ألمانيا إطلاقها وتدشينها خلال الفترة المقبلة، كما يستفيد على المستويات الصناعية والتكنولوجية والفنية والثقافية والاقتصادية.

المصلحة الاقتصادية

بدوره، يرى محمد بن طلحة الدكالي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مراكش، أن العلاقات المغربية – الألمانية دخلت مرحلة جديدة منذ الرسالة الموجهة إلى الملك محمد السادس من طرف الرئيس الألماني فرانك فالتر- شتاينماير في شهر ديسمبر (كانون الأول) لمناسبة السنة الجديدة. واعتبر أن الحكومة الألمانية الجديدة أبدت رغبتها في إنهاء الخلاف إدراكاً بأن المغرب يعد حلقة وصل بين أفريقيا وأوروبا، وقوة صاعدة تفيدها في توطيد العلاقات الاقتصادية والأمنية.

وقال الدكالي، إن الواقعية السياسية ولغة المصالح انتصرت، كما أظهرت سداد نظرة الدبلوماسية الألمانية تجاه المغرب، متابعاً بأن “البلدين يسعيان إلى علاقات استراتيجية للتعاون من أجل المصالح المشتركة”.

واستطرد بأن “تصريحات وزيرة خارجية ألمانيا بخصوص دعم الجهود المبذولة برعاية الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي لملف الصحراء، وإشادتها بمبادرة الحكم الذاتي، تصب في صالح الموقف المغربي”، مذكراً بمكانة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي وقوتها الاقتصادية والدبلوماسية وتأثيرها في الرأي العام الأوروبي.

ووفق الدكالي، تراهن ألمانيا في علاقاتها مع المغرب على البحث عن فرص استراتيجية جديدة، مثل مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر، فهي بلد رائد في صناعة السيارات، بينما توشك الشركات الأميركية الاستفراد بالفرص التي يوفرها “جبل تروبيك”، كما أن بريطانيا تستحوذ على عدد من الاستثمارات في مجال التنقيب عن النفط والغاز، علاوة على تأمين الإمدادات من الكهرباء إليها من المغرب عبر البحر، ضمن مشروع ضخم تم الاتفاق عليه بين المغرب وبريطانيا.

وأشار إلى أن ألمانيا شريك استراتيجي مع المغرب، حيث تنشط 300 شركة في المملكة، فضلاً عن كونها من أبرز مانحيه في برنامج التعاون الثنائي، مؤكداً أن مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين مبنية على الوضوح والتعاون يحركها عاملا المصلحة والاقتصاد بالدرجة الأولى، مما أسهم في تجاوز سوء الفهم بين البلدين وتطوير العلاقات الثنائية مستقبلاً.

أمن المغرب هو أمن ألمانيا

بدوره، أشار مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية خالد الشرقاوي السموني إلى عبارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في الندوة الصحافية بأن “أمن المغرب هو أمن ألمانيا وأمن ألمانيا هو أمن المغرب”. وقال إنها “بمثابة فتح صفحة جديدة ومتقدمة للعلاقات الثنائية بين البلدين أساسها الثقة والاحترام المتبادل والتعاون المشترك”.

وأوضح السموني، بأنه منذ المذكرة التي نشرتها وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، في 13 ديسمبر 2021، التي رحبت فيها بمقترح الحكم الذاتي المغربي حول الصحراء، قرر المغرب وألمانيا إعطاء دفعة جديدة لعلاقاتهما.

وأشار إلى أن تأكيد البلدين، في البيان المشترك، على التدخل الحصري للأمم المتحدة في المسار السياسي لقضية الصحراء، استناداً إلى قرارات مجلس الأمن، وآخرها القرار 2602 الذي يشير إلى مسؤولية الأطراف في البحث عن حل سياسي وواقعي ودائم ومقبول، يعد موقفاً إيجابياً لألمانيا لفائدة المغرب.

وذهب السموني إلى أن زيارة وزيرة الخارجية الألمانية إلى المغرب من شأنها إعطاء انطلاقة جديدة للعلاقة بين البلدين على أساس الوضوح والاحترام المتبادل، إضافة إلى مشاريع مشتركة مرتبطة بالتعاون الثقافي والاقتصادي والتجاري.

ولفت إلى أهمية الشراكة بين البلدين والروابط الثقافية والتجارية المتمثلة في إقبال المغاربة على تعلم اللغة الألمانية والشراكات المتعددة في التعليم العالي والتبادل السياحي المتنامي، إضافة إلى الملفات التي تحظى بأولوية في مجالات الطاقات المتجددة وأزمة المناخ وتطوير الهيدروجين الأخضر والهجرة ومكافحة الإرهاب.

متابعة بتصرف