تدريس اللغة الامازيغية بالمغرب الواقع والآفاق

تدريس اللغة الامازيغية بالمغرب الواقع والآفاق

بازغ لحسن : أستاذ وناشط حقوقي ومراسل صحفي 23456

12345

مدخل : يعتبرادماج اللغة الامازيغية بالمغرب منذ 2003 بداية حقيقية لمصالحة المدرسة العمومية مع ذاتها المغربية الأصيلة وبداية أيضا لتصبح مدرسة مواطنة منفتحة على الثقافات واللغات الوطنية ،لان ذلك هو المدخل الأساسي لترسيخ البعد الحقيقي والأسمى للهوية الوطنية من خلال تلقينه للناشئة والتلاميذ والشباب المغربي ليعتز بهويته المتعددة الأبعاد

ولتقييم هذه المرحلة من 2003 إلى اليوم ،ومعرفة الحصيلة لابد من استحضار الايجابيات والسلبيات التي واكبتها ولنبدأ بطرح الأسئلة التالية لمعرفة الإجابة

فماهو الواقع الحالي لتدريس اللغة الامازيغية ؟

هل كان الشروع في هذا التدريس بالشكل الذي كان مأمولا منه ؟

ماهي النواقص التي شابته وكانت السبب في بروز أصوات منددة بالارتجالية والعشوائية ؟

هل تم توفير الكتب والمقررات الدراسية والوسائل والإمكانيات البيداغوجية اللازمة ؟

مامدى إيمان المسؤولين التربويين في النيابات والأكاديميات والوزارة والمفتشين والمدرسين بمشروعية هدا التدريس ؟

وأخيرا ماهي الصعوبات والعراقيل والمشاكل المتعلقة به ؟وهل بذلت مجهودات حقيقية للتغلب عليها ؟ذلك ما سنحاول التعرف عليه من خلال هدا البحث

بداية لابد من الإشارة إلى أن الكتابة في هذا الملف يجب أن يبدأ أولا بالإنصات إلى الأساتذة الممارسين داخل الأقسام والى المسؤولين التربويين والمتتبعين لتطوراته لتتوفر لدينا رؤية واضحة بواقع مايجري عكس بعض الخطابات التنظيرية والإحصائيات الفضفاضة المغلوطة  . فالكل مقتنع اليوم ويؤكد أن عملية تدريس اللغة الامازيغية لاتتوفر على ارض صلبة لتدريسها وتعرف ارتجالية في تدبير شانها مع غياب سياسة وضمانات حقيقية واضحة المعالم لإنجاحها .

ويعود هذا كله إلى اكراهات وصعوبات وعراقيل تقنية وتنظيمية مفتعلة ،تفسر كلها المفارقة الكبيرة التي يعيشها هذا التدريس بين الأهداف المعلنة والمبادئ البيداغوجية المبينة في منهاج اللغة الامازيغية في التعليم الذي أصدرته الوزارة الوصية والواقع الفعلي في المدارس

وسأكتفي هنا في البداية بتعداد بعض ما أراه مهما من الأسباب التي تكمن وراء تعثر تدريس اللغة الامازيغية في مدارسنا ،باعتباري أستاذ اللغة الامازيغية ومناضلا  مهتما بالموضوع وذلك بتوزيعها إلى إشكالات وماخد تحتاج كلها إلى حلول ناجعة وسريعة لان كافة المؤشرات الصادرة لحد الآن من تقارير الجمعيات الامازيغية التي تدق ناقوس الخطر وانتقادات المتتبعين والمهتمين الموجهة إلى العملية برمتها تدل على أن الواقع هش والحصيلة هزيلة والآفاق  المستقبلية غامضة ،وإذا لم يتم تدارك الأمر فان كل الأعمال المبذولة حاليا ستؤدي إلى الفشل وحصد نتائج كارثية لاقدر الله .

1 ضعف التكوين

يعد تكوين الأساتذة من بين الأولويات لتي يجب الاهتمام بها قبل الشروع في العملية البيداغوجية التربوية ،فأي تفكير تخطيطي جديد لابد أن يصاحبه برنامج تنفيذي كامل لإعداد الأساتذة وتكوينهم ،ولابد  أن يتناول التحليل الوظيفي لهيأت التدريس المعنية بصفة عامة  لان الغاية الأساسية هي التوفر على أساتذة مزودين بكافة المهارات اللغوية والنحوية والبيداغوجية والديداكتيكية اللازمة .

وهذا مالاينطبق على تدريس اللغة الامازيغية ،لان هناك غياب واضح للتاطير البيداغوجي في الميدان المصاحب للمدرسين المكلفين الجدد ،حيث صعوبة كبيرة في تحويل أساتذة غير ناطقين بالامازيغية إلى مدرسين أكفاء في هذه المادة خلال 3دورات تكوينية سنوية ،حسب المذكرة الوزارية 130 التي تحث على تنظيمها أي 15 يوم تكوين في السنة  ورغم أنها ضئيلة وضعيفة توقفت منذ 2008 ،  ومن حقنا أن نتساءل هل هذه الأيام كافية لتدريس الامازيغية بشكل فعال حتى وان كانت ؟ خصوصا أن عدد كبير من الأساتذة المكلفين المعنيين لم يطلعوا على آليات استعمال الامازيغية ولا التعرف على حروفها ،فليس المهم أن يتحدث الأستاذ الامازيغية وكفى ،وإنما أن يكون ضابطا لقواعدها وعارفا لمجموعة من المعطيات ومن المسائل المرتبطة بالجانب البيداغوجي ،وعلى مستوى المنهجية لتدريس الامازيغية ،ولكل الظروف المرتبطة بالمعيرة والتقعيد .

بالإضافة إلى مالوحظ كذلك عدم انخراط كل الأكاديميات الجهوية في هذه التجربة بنفس الوثيرة ،فهناك عدد من النيابات لم تقم ببرمجة ولو دورة تكوينية واحدة ،وحتى على المستوى الكيفي فان تدريس اللغة الامازيغية عند بعض الأساتذة لم يتم بشكل منتظم حسب التوزيع السنوي وفي بعض الأحيان لايتجاوز درس اللغة الامازيغية تعلم حروف تيفيناغ طول السنة ،في الوقت الذي قامت فيه وزارة التربية الوطنية بتعاون مع المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بإصدار الكتب المدرسية من الأول إلى السادس مع دليل الأستاذ ،”تيفاوين اتمازيغت “واعتمد  في صياغة هده الكتب على بيداغوجية الكفايات المعتمدة في برامج التعليم بالمغرب   وحسب دراسة للأستاذة فاطمة اكناو رئيسة مركز البحث الديداكتيكي والبرامج التربوية بالمعهد ورد فيها أن هذا الكتاب “يستجيب لمنهاج اللجنة الوزارية المكلفة بإعداد برامج تعليم اللغة الامازيغية ،بحيث نجده يتكون من اثني عشرة وحدة موزعة زمنيا على أسبوعين لكل وحدة تربوية ،وقد خصصت أربع أسابيع كاملة للدعم والحصيلة  ،كل وحدة تربوية تبدأ بمدخل استعراضي متبوع بحملة من الأنشطة حول التواصل والقراءة والكتابة ثم التوظيف آو الاستعمال اللغوي الذي تمرر أثناء ه بكيفية ضمنية مجموعة من القواعد النحوية والصرفية.

2 المذكرات الوزارية

صدرت العديد من المذكرات التربوية الوزارية المهتمة بتفعيل تدريس الامازيغية ،منذ فاتح شتنبر 2003 تاريخ الشروع في هذا التدريس إلى اليوم ،ولكن تبقى حبر على ورق ،لان العديد من النيابات والأكاديميات لايعملون على اجراتها رغم انه قرار وطني ورسمي للدولة المغربية ،واحد ركائز سياستها العامة،في النظام التربوي المغربي الذي يكرس الهوية المغربية . ويبقى تدريس الامازيغية ضحية مزاج بعض المسؤولين التربويين ،وبعض الذين يتعاملون معها بمنطق الإقصاء والاستخفاف ،وهو ماوقع مؤخرا ببعض النيابات والأكاديميات “الرباط اكادير تنغير الخميسات خنيفرة تزنيت تارودانت “حيث سحب تكليف العديد من الأساتذة المكلفين  بتدريس هده المادة وتكليفهم بتدريس مواد أخرى ،بدعوى سد الخصاص الحاصل في العربية آو الفرنسية ،كذلك المذكرة الخاصة بإحداث نقط الارتكاز

لتتبع مسار تدريس الامازيغية والتي تنص على اسناذها إلى أساتذة ممارسين ويتقنون الامازيغية كتابة وقراءة ولهم اهتمام بالملف .فقد اسنذت إلى موظفين على صعيد النيابات دون استفادا تهم من آي تكوين ولايتكلمونها ،وذلك لتدبير ملف الامازيغية في البنية التربوية للمؤسسات المعنية بتدريسها .

3 الكتاب المدرسي الامازيغي

بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الامازيغية قامت وزارة التربية الوطنية بإعداد الكتاب المدرسي ،وتم لحد الآن انجاز ستة كتب من الأول إلى السادس “تيفاوين اتمازيغت أي صباح الخير أيتها الامازيغية “إضافة إلى تأليف دليل الاستاذ للمستويات المذكورة ،ومعاجم وكتب القواعد وقصص وكتب ترفيه وهذا عمل ايجابي وبذل فيه جهد كبير .

إلا أن عدد من الآباء والتلاميذ يثيرون نذرتها وتأخر وصولها أسوة بباقي المواد الأخرى ،كما أن البعض الآخر ينتقد هذه الكتب في محتوياتها بأنها لاتستجيب للحضارة والتاريخ الامازيغي ،فغالبا ما نجد ترجمة نصوص من العربية إلى الامازيغية في وقت تزخر فيه الحضارة الامازيغية باحدات مهمة ومثيرة .كما أن بعض الأساتذة يجدون صعوبة في قراءة الجمل والمصطلحات الواردة فيها بسبب ضعف التكوين وعدم التمكن من أبجدية تيفيناغ .

كل هذه الاختلالات أدت إلى حرمان مجموعة من التلاميذ من التعلمات الامازيغية والتعرف على الأساليب الجديدة .كما لابد من تحرير الكتاب المدرسي وفتح مجال التأليف المدرسي للغة الامازيغية أمام الكفاءات التي لها تجربة جمعوية امازيغية وذات خبرة ميدانية في التاطير والتدريس والتي يزخر بها قطاع التربية الوطنية .

النقص الحاد في الأطر التربوية المؤهلة لتدريس اللغة الامازيغية 4

إضافة إلى بطء سيرورة التعميم العمودي والأفقي وتفعيل النصوص التنظيمية ،فان الأطر التربوية والإدارية المعنية بتدريس اللغة الامازيغية عانت ،وماتزال من نقص كبير .فعدد الأساتذة الذين يتولون تدريس الامازيغية خلال الموسم الدراسي 2014 / 2015  قدر ب 5400 أستاذ وأستاذة ،منهم فقط 480 متخصص .مما يشكل 4 في المائة فقط من مجموعة أساتذة التعليم الابتدائي .وهذا ما يعني كذلك انه فقدنا مايزيد عن 9000 أستاذ وأستاذة لسد الخصاص آو تقاعدوا منذ 2003 .

أما عدد التلاميذ الذين شملهم تدريس الامازيغية خلال الموسم الدراسي 2014 / 2015  فقدر ب 560000 تلميذ وتلميذة ،وهذا رقم ضعيف كذلك بالمقارنة مع عدد التلاميذ في مرحلة الابتدائي الذي يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف .

ثم ضرورة اعتماد صيغة الأستاذ المتخصص القار عبر التكوين الأساسي في 4 مراكز جهوية لمهن التربية والتكوين في كل من “اكادير ومراكش ومكناس والناضور منذ 2012 “عبر تخصيص عدد كاف من المناصب المالية ،وتبني تمييز ايجابي لصالح تدريس اللغة الامازيغية التي همشت لسنوات ،والملاحظ أن الوتيرة الحالية والتي تتمثل في تخصيص فقط 120 منصب مالي سنويا لفائدة الامازيغية”تخرج 30 أستاذ وأستاذة سنويا من 4 المراكز المذكورة ” لن يساهم في أفق منظور في تعميم تدريس اللغة الامازيغية في كل المستويات والمسارات الدراسية ولو بعد 30 سنة أخرى .

5 دراسة ميدانية

لقد بادرت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس مؤخرا إلى انجاز دراسة جهوية بغية استقراء واقع تدريس اللغة الامازيغية ،وكونت لهذا الغرض لجنة من المشرفين ميدانيا على تدريس الامازيغية والهدف هو الوقوف على مكامن الضعف والقوة في إدراج هذه اللغة ضمن المناهج المقررة .

للإشارة فجهة سوس متقدمة على جميع جهات المغرب في تدريس الامازيغية ،20 في المائة تقريبا من مجموعة المدارس المعنية بتدريس الامازيغية ،ووقع اختيار  فريق البحث

على عينة من 248 مدرس الامازيغية ،فاستنتجوا مايلي :

_ 37 في المائة من الأساتذة لايهيئون دروسهم بالحرف الرسمي تيفيناغ .

_ 44 في المائة من التلاميذ هم فقط من يتوفرون على الكتاب المدرسي الامازيغي .

_ 30 في المائة  مرتاحة في تدريس اللغة الامازيغية .

_ 51 في المائة تجد صعوبة في التعامل مع الدروس والمرجع .

_ 20 في المائة لم يسبق لها أن استفادت من أي تكوين يهم تدريس الامازيغية .

_80 في المائة  من الأساتذة ناطقين بالامازيغية .

هذا بالنسبة لجهة اغلب سكانها ناطقين بالامازيغية ،فما بالك بالجهات الأخرى ،فالمشكل القائم ليس أن تتكلم بالامازيغية فقط وتكون أستاذها ،وإنما أن تكون ضابطا ومتمكنا لكل الظروف المرتبطة بالتقعيد والمعيرة والكتابة الصحيحة بتيفيناغ.

6 معطيات

هذه معطيات حصلت عليها من خلال تقارير الجمعيات الامازيغية ،وبعض المهتمين بالملف وهي كما يلي :

_إن بعض النيابات تم التراجع فيها عن تدريس الامازيغية ،لانعدام التشجيع والتحفيز .

_ هناك من ملا الطلب ليرجع لتدريس مادته الأصلية الأولى عربية او فرنسية .

_عدم التمكن من تنفيذ تدريس اللغة الامازيغية ببعض المستويات التي كان مبرمجا لتدريس بها ،لعدم وجود أساتذة ناطقين .

_ ضعف الإقبال على ملا الاستمارات الخاصة بتدريس الامازيغية من طرف الأساتذة الناطقين بها .

_عدم توزيع الحصص بشكل سليم في استعمال الزمن طبقا للمذكرة 90.

_اللغة الامازيغية لاتحضى بما يحضى به باقي المواد “المراقبة والتنقيط “في إطار تكافؤ الفرص  مع اللغات الأخرى ببعض المدن .

_ اسناذ التاطير إلى مفتشين غير متخصصين في الامازيغية .

_ صعوبة التعامل مع المراجع والتمارين والمصطلحات الواردة فيهم لعدم التمكن من الامازيغية من طرف الأستاذ .

7 تعويم ملف تدريس الامازيغية .

إن استمرار تعامل المسؤولين التربويين مع مادة اللغة الامازيغية كما لو أنها لغة “غير واضحة المعالم “هو ما أدى إلى تعويم هذا الملف بانعدام المخاطب على الصعيد المركزي …..هل هو مكتب ؟أو مصلحة ؟اوقسم ؟او مديرية ؟ام ماذا ؟وذلك لتتبع مسار هذا التدريس ..مما أدى إلى عدم تحمل المسؤولية من طرف أية مديرية ،وغياب سياسة لغوية من شانها تحديد مهمة الامازيغية في التدريس .

وأخيرا يمكن القول إن عملية إدماج الامازيغية في المنظومة التربوية تم بدون توفير الأرضية اللازمة ،فلم تسبق العملية وتواكبها حملات تحسيسية ..ولااعلامية ولم يتم تعبئة كافة المتدخلين بشكل ايجابي في تسهيل العملية وعدم تخصيص اعتمادات مالية لتدعيمها مع غياب تتبع مستمر من طرف الإدارة المركزية باعتبار هذا التدريس عملية وطنية ،كل هذا أدى إلى تراجع التدريس وعدم تحقيق الهدف المنشود .وهو ما أدى كذلك إلى حصيلة هزيلة وصعوبات وعراقيل تصاحب تدريس اللغة الامازيغية .