الجهوية المتقدمة أجحفت في حق الجديدة التي قال الحسن الثاني أنها ستصبح ثاني قطب اقتصادي!

الجهوية المتقدمة أجحفت في حق الجديدة التي قال الحسن الثاني أنها ستصبح ثاني قطب اقتصادي!

احمد مصباح : كاتب الخبر.
—————————
صادق مجلس الحكومة، الخميس 5 فبراير 2015، على مشروع المرسوم رقم: 40-15-2، القاضي بتحديد عدد الجهات في 12 جهة، وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها. إلا أن مصادقة الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار الحيف الذي طال بعض المناطق والمدن العريقة والغنية بمؤهلاتها الاقتصادية والبشرية، مثل منطقة دكالة التي يشمل نفوذها الترابي إقليمي الجديدة وسيدي بنور ألخاضعين، حسب التقطيع الجهوي القديم، لجهة دكالة-عبدة. هذه الجهة التي تم فك الارتباط فيما بين أقاليمها الأربعة، ليصبح من ثمة إقليما آسفي واليوسفية تابعين لجهة مراكش-آسفي. فيما بات إقليما الجديدة وسيدي بنور تابعين لجهة الدارالبيضاء-سطات (الجهة السادسة)، والتي مركزها الدار البيضاء، وتتكون من عمالات وأقاليم الدارالبيضاء والمحمدية والجديدة والنواصر ومديونة وبنسليمان وبرشيد وسطات وسيدي بنور.
فإذا كان مشروع الجهوية المتقدمة استغنى إلى حد ما عن التسميات التي تخفي نزعة الانتماء إلى “المنطقة” و”القبيلة”، وعوضها بأسماء المدن المكونة للجهة، فإنه كان مجحفا في حق منطقة دكالة وعاصمتها الجديدة.
هذا، وكانت الآراء والمواقف تضاربت حول إمكانية إضافة اسم الجديدة إلى جهة الدارالبيضاء-سطات، سيما بعد الحلم الوردي الذي كان أطلقه “برلماني دكالة”، خلال أشغال دورة المجلس الإقليمي بالجديدة، والذي أكد بالمناسبة أنه تلقى من الحكومة، في اجتماعها شهر مارس، وعودا بالاستجابة إلى هذا المطلب.
لكن وكما عبر عن ذلك بعضهم، فإن عقارب الساعة سبقت كلام “برلماني دكالة” الذي كان يتحدث بثقة مفرطة، زرعت الأمل في نفوس أعضاء المجلس الإقليمي. حيث أقرت الحكومة مشروع المرسوم رقم: 40-15-2. وهكذا، يكون “البرلماني” فوت ، كما فعلت السلطات الإقليمية، فرصة من ذهب، بعد أن “صب ماءا باردا على نار ملتهبة”، كانت ستفضي حتما إلى اعتماد أعضاء المجلس الإقليمي موقفا موحدا، كانوا سيتخذونه لتوهم بالإجماع.
وكما يبتلع الحوت الضخم سمكة، أو كما يغرق الطوفان مدنا وحضارات، فإن الجديدة لم ولن يعد لها أثر في الوجود، بعد محو اسمها من قائمة التسميات الرسمية التي اعتمدتها الجهوية الموسعة.
فلا أحد بإمكانه أن يجادل في المكانة الخاصة والمتميزة التي حظيت بهما في التاريخ، وتحظى بهما دكالة وإقليم الجديدة. ولا أحد يحق له أيا كان أن يتلاعب بمستقبلهما ومصيرهما وهويتهما، وأن يحكم عليهما ب”الإعدام”، ويطلقطلقة الرحمة (طلقة الغدر) على كيانهما. هما اللذان أنجبا المجاهدين والمقاومين والوطنيين الأحرار، الذين تصدوا وصدوا ببسالة، كما يشهد التاريخ، الاستعمار الإسباني والبرتغالي والفرنسي.
فلكل من يجهل أو يتجاهل مكانتهما المتميزة، وتاريخهما العريق والمجيد، فهذه نبذة مختصرة عن ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما:
عرفت هذه المنطقة (دكالة) ازدهارا حضاريا وثقافيا في القرون الوسطى. احتلها البرتغاليون وشيدوا بها، سنة 1514، قلعة (قصبة) صغيرة. وسنة 1541، وسع البرتغال “مازكان” (الاسم الذي أعطوه لها)، بعد انسحابهم من أكادير وأسفي وأزمور. وظل البرتغاليون جاثمين على “مازكان” حوالي 267 سنة، إلى مجيء السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1790-1757)، الذي حررها سنة 1769. وقد حملت أسماء “المهدومة” و”البريجة”.. إلى أن باتت تعرف ب”الجديدة”.
وكانت “الجديدة” في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، قلبا اقتصاديا نابضا (لم يكن وقتها لميناء الدارالبيضاء أي أثر على الخريطة الجغرافية). حيث أوت عدة سفارات، ضمنها السفارة الأمريكية، والعديد من القناصل، منهم من دفن تحت ترابها. وقد كانت منطقة دكالة تمتد إلى حدود الصويرة ومراكش ومنافذ الدارالبيضاء.
الجديدة، عاصمة دكالة، تقع على بعد 96 كيلومترا جنوب العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، مرور عبر الطريق الوطنية رقم:1. يحد إقليم الجديدة إقليم سطات، من جهتي الشمال والشمال-الشرقي؛ وإقليم قلعة السراغنة، من جهتي الشرق والجنوب-الشرقي؛ وإقليم آسفي، من جهة الجنوب؛ والمحيط الأطلسي، من جهتي الشمال-الغربي والغرب.
ويشمل النفوذ الترابي لإقليم الجديدة، مدينة أزمور. أزمور التي كانت حاضرة دكالة البيضاء والحمراء، قبل حواضر عدة نبتت في الأزمنة اللاحقة لها، إلى درجة أنهم كانوا يقولون عنها : “من مدينة ازمور إلى قرية فاس”. هذا الكلام الوارد عن قدم وحضارة أزمو٬ مدون بأحرف من مداد في كتاب أسفي وما إليه، لمؤلفه محمد بن احمد العبدي الكانوني، الذي يقول عن هذه حاضرة أزمور: ״وهي مدينة عتيقة، يرجع تأسيسها إلى ما قبل الميلاد المسيحي، ولها ذكر في المدن الموجودة في عهد الفينيقيين…״. فأزمور تعاقبت عليها شعوب وأمم وأمراء وقياد وعساكر٬ ابتداء من موسى بن نصير.
لقد أنجبت أزمور بفخر واعتزاز “الأزموري”، أول من استكشف، في القرن ال16، جنوب-غرب الولايات المتحدة الأمريكية. فهذا المغربي مجهول الاسم، يذكره التاريخ فقط بلقب”إستيبانكو” ويعني “إستيبان الصغير”. وقد أعطيه هذا اللقب، بعد أن أسره البرتغاليون ضمن مغاربة آخرين، حين احتلوا مدينة أزمور، وأكرهوه على التنصير (…). ورفع الهنود الحمر من قبائل “زوني” هذا المغربي إلى مرتبة “الآلهة.. أبناء الشمس”. و”الأزموري” حاضر بقوة في التاريخ الأمريكي الحديث، كأحد الذين لهم فضل في استشكاف مناطق الجنوب-الغربي للولايات المتحدة الأمريكية. وكان إبان احتداد الوعي السياسي بين الزنوج في أمريكا، “أبا روحيا ملهما”، باعتبار أصوله الإفريقية. إذ أطلقوا لقبه المسيحي “إستيبانكو” على بعض أبنائهم. كما أطلق اسمه على مرافق متفرقة في أمريكا. وقد اعتبر بعض الكتاب الغربيين إنجازاته (الأزموري) “أهم من رحلات” المغربي ابن بطوطة، والإيطالي ماركو بولو.
فدكالة أنجبت أرضها العباقرة وعظماء التاريخ الذين ارتقوا بالمغرب إلى “العالمية”. فقد أنجبت أبي شعيب الدكالي (1878-1937). وأنجبت الدكتور عبد الله العروي (…) .
وأنجبت الدكتور عبد الكريم الخطيب، المفكر والأديب والسياسي المحنك، وهو أول طبيب جراح في المغرب (1951)، خرج سنة 1957، عن حزب الاستقلال، متهما إياه بكونه يمثل “بورجوازية المدن”. حيث أسس مع المحجوبي أحرضان حزبا ريفيا سمي ب”حزب الحركة الشعبية الدستورية”. وإثر انشقاق حصل داخل الحركة الشعبية، قاده الدكتور عبد الكريم الخطيب، زعيم الحزب ورئيس البرلمان المغربي آنذاك، أسس (الدكتور الخطيب) “حزب العدالة والتنمية”، الذي وصل سنة 2012، إلى سدة الحكم، وأصبح زعيمه عبد الإله بنكيران على رأس الحكومة المنتخبة. ولائحة العظماء من أبناء دكالة الذين بصموا التاريخ، طويلة-عريضة، ولا يمكن البتة اختزالها في العشرات من الصفحات.
هذا، فإن إقليم الجديدة الذي يشمل نفوذه الترابي 27 جماعة محلية، ضمنها 3 جماعات حضرية (بلديات الجديدة، أزمور، والبئر الجديد)، يحظى ببنيات تحتية صناعية وسياحية وفلاحية عملاقة (…)، جعلته في مصاف كبريات أقاليم المملكة ذات الأهمية الاقتصادية. بالمناسبة، فهو يتوفر:
* على أكبر ميناء صناعي ومعدني في القارة الإفريقية (الجرف الأصغر)، يفوق من حيث أهميته الاستراتيجية ميناء العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، إلى جانب ميناء للصيد البحري والترفيه والرياضات البحرية.
* وعلى محطة حرارية “جليك”، تعتبر أكبر منتج للطاقة الكهربائية في المغرب.
* وعلى شريط ساحلي على المحيط الأطلسي، بطول 150 كيلومتر. وشواطئ خلابة حظيت بشارة “اللواء الأزرق” (شاطئ الجديدة على طول 3 كيلومترات تقريبا، وشاطئ منتجع سيدي بوزيد، وشاطئ الحوزية…). إنها الجديدة التي أحيت بين أحضانها الأميرة الجليلة للاحسناء، رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، الأحد 8 نونبر 2009، الذكرى ال10 لبرنامج “شواطئ نظيفة”، والذي كانت انطلاقته في عهد الراحل الحسن الثاني، سنة 1999، من عاصمة دكالة.
* وعلى أكبر منتجع سياحي دولي في أفريقيا (مزغان رزورت بيتش)، ناهيك عن منتجع سيدي بوزيد. إنها حقا الجديدة التي وصفها المارشال “ليوطي”، مطلع القرن العشرين، ب”الدوفيل المغربية”.
* وعلى مآثر تاريخية وحضارية، من قبيل قلعة بولعوان، و”الطازوطا”، والحي البرتغالي بأزمور، والحي البرتغالي بعاصمة دكالة، والذي صنفته منظمة ال”يونسكو”، سنة 2004، تراثا إنسانيا.
* وعلى تضاريس منبسطة وتربة ذات جودة عالية، ساهمت في الرفع من الإنتاج الفلاحي والحيواني، ومن الصناعات الحليبية. ويتواجد بترابها أكبر سوق للأبقار في المغرب، يعرف ب”السوق القروي الأسبوعي ثلاثاء سيدي بنور”، بإقليم سيدي بنور الحديث، والذي خرج بالمناسبة من رحم إقليم الجديدة.
* وعلى شبكات طرقية، وخطوط سكك حديدية لنقل المسافرين، والمواد الأولية والمصنعة، وطريق سيار جعل من الجديدة حيا من أحياء الدارالبيضاء، لا تبعد عنها إلا بحوالي 30 دقيقة (80 كيلومتر).
لعل هذه المؤهلات الاقتصادية والبشرية والصناعية الضخمة وغيرها، ما جعل الراحل الحسن الثاني يعد الجديدة بمستقبل زاهر، ويقول أنها ستصبح ثاني قطب اقتصادي في المغرب. وهو ما تحقق على أرض الواقع، في عهد الملك محمد السادس، من خلال الإنجازات الصناعية والاقتصادية والتنموية العملاقة التي رأت النور في منطقة الجرف الأصفر (15 كيلومتر جنوب مدينة الجديدة)، وبتراب إقليم الجديدة.
إن المشكل في مشروع الجهوية المتقدمة أو الموسعة، يكمن أساسا في ذكر مدن معينة بأسمائها، وإقصاء مدينة الجديدة، رغم أهميتها الاستراتيجية. والأكثر من ذلك أن تذكر مثلا الجهة الثامنة والتاسعة وتحملان اسمي جهة درعة-تافيلالت وجهة سوس-ماسة، في حين تستثنى من التسميات “دكالة”. فقد كان حريا ذكر اسم الجديدة إلى جانب سطات (جهة الدارالبيضاء-الجديدة-سطات)، أو جهة الدارالبيضاء-سطات-الجديدة، على غرار جهة الرباط-سلا-القنيطرة، أو الإبقاء فقط على تسمية جهة الدارالبيضاء-الجديدة، أو الاكتفاء فقط بتسمية هذه الجهة ب”جهة الدارالبيضاء الكبرى”.
فلماذا إذن جهة الدارالبيضاء-سطات، وليس جهة الدارالبيضاء-الجديدة-سطات، أو جهة الدارالبيضاء-سطات-الجديدة، أو جهة الدارالبيضاء-الجديدة؟
فما هي من ثمة المعايير الموضوعية التي اعتمدتها في هذا الاختيار اللجنة الاستشارية الجهوية التي أعلن عن تنصيبها الملك محمد السادس، في الخطاب السامي الذي وجهه، الأحد 3 يناير 2010، إلى الأمة، بشأن الجهوية الموسعة المنشودة، التي أرادها جلالته أن تكون توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة؟
لقد كان حريا أن تسمى كل جهة من الجهات ال12، في إطار مشروع الجهوية المتقدمة، باسم مركزها مع إضافة عبارة “الكبرى”، لتصبح التسميات على النحو التالي: جهة طنجة الكبرى – جهة وجدة الكبرى – جهة فاس الكبرى – جهة الرباط الكبرى – جهة بني ملال الكبرى – جهة الدارالبيضاء الكبرى – جهة مراكش الكبرى – جهة الرشيدية الكبرى – جهة أكادير الكبرى – جهة كلميم الكبرى – جهة العيون الكبرى – جهة وادي الذهب الكبرى.
فمن له إذن المصلحة في أن لا تبرح دكالة وإقليم الجديدة المكانة الحقيقية التي تعود لهما عن جدارة واستحقاق؟!
ليس المبتغى من الاستماتة في الدفاع عن دكالة وإقليم الجديدة، زرع روح القبلية وتكريس التفرقة بين المغاربة الذين ينضوون جميعا من طنجة إلى لكويرة، تحت هذا المسمى “المغاربة”.
كما أن أحد يشكك في نزاهة ومصداقية الجهات التي سهرت على إخراج مشروع الجهوية المتقدمة، إلى الوجود، والذي ستتم أجرأته على أرض الواقع، في جهات المملكة ال12 المنصوص عليها، في أعقاب انتخابات الجماعات الترابية(…)، المزمع تنظيمها شهر شتنبر 2015.
لقد كان الملك الراحل الحسن الثاني وعد الجديدة بمستقبل زاهر، وقال أنها ستصبح ثاني قطب اقتصادي في المغرب. إلا أنهم أخلفوا الوعد والعهد مع التاريخ.
إن التاريخ لن يغفر لأبناء دكالة الأحرار صمتهم الرهيب حيال دكالة الأم والروح ، دكالة التي أنجبت العباقرة وعظماء التاريخ، وكبار رجالات الفقه والفكر والمعرفة، وكبار المسؤولين النافذين في الحكومات المتعاقبة، منذ فجر الاستقلال، والذين يضيق المجال عن ذكر أسمائهم.
إن التاريخ لن ينسى صنيع من قصر في الدفاع عن دكالة، وعن هويتها وحقها في الوجود، ورد الاعتبار إليها باعتماد اسمها وتسميتها ذات الرمزية العميقة، في التسميات التي صادق عليها مجلس الحكومة. إذ سيخلد أسماءهم بحبر من علقم.
فإذا كانت جهة الدارالبيضاء-سطات ابتلعت دكالة، فإن سياسييها وبرجوازييها ومستثمريها (…) سيبتلعون، نظراءهم في دكالة، “البقرة الحلوب”، كما يبتلع الحوت الضخم سمكة. ووقتها سيقول بعضهم، عندما يأتي عليهم الدور: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض!”.
هذا، فسيأتي وقت ستذكر فيه للأسف دكالة والجديدة، بصيغة “الماضي” ‼
JDIDA 007