نيابتي الجديدة و سيدي بنور تستهدفان الإجهاز على مهنة التفتيش

نيابتي الجديدة و سيدي بنور تستهدفان الإجهاز على مهنة التفتيش

نتج عن لجوء وزارة التربية الوطنية إلى إغلاق مركز تكوين مفتشي التعليم لمدة قاربت العشرين سنة انخفاض عدد المفتشين بشكل متسارع عقب عملية المغادرة الطوعية و التقاعد العادي او النسبي بالإضافة للوفيات، إلى حد تصاعدت فيه معدلات التأطير لتصل في السنوات العشر الأخيرة نسبا خيالية في جل مناطق التفتيش.
وعلى الرغم من الإنذارات المتكررة لهيئات متعددة، وازعها في ذلك إنقاذ الوضع التعليمي في المغرب من الانزلاق إلى الهاوية، بخطورة هذا النزيف على مستقبل التعليم، لم تتم إعادة فتح المركز من جديد سوى في السنوات الأخيرة، بعد نضال شاق لنقابة مفتشي التعليم؛
فتح انطلق بشكل محتشم لا يستند على أية رؤيا استراتيجية ولم يساهم لحد الساعة و لو بنسبة قليلة في وقف النزيف و الخصاص الذي أصاب المجال ، حتى إن بعض التخصصات التربوية، و التي اعتبرتها الهندسة البيداغوجية و المناهج المعتمدة تخصصات اساسية خلال كل الإصلاحات المتعاقبة، أصبحت و لا زالت غائبة بشكل كلي عن مديريات كثيرة .
بالموازاة مع هذا الوضع، و على امتداد نفس الفترة الزمنية خضعت مراكز القرار في وزارة التربية الوطنية إلى ما يشبه الاكتساح من طرف هيئات أخرى، جل المديريات المركزية بالإضافة للمفتشية العامة، من خلال أطر – لها حقيقة وزنها الأكاديمي- لكنها لا تشاطر و لا تستوعب الدور الفعلي لمهنة التفتيش، بحكم تكوينها الإداري المحض أو الجامعي البعيد كل البعد عن حاجيات الممارسة الصفية بالسلكين الابتدائي و الثانوي، بالإضافة إلى جهلها التام بحقيقة مهنة التفتيش والتي تبقى بصفة اساسية مرتبطة بتنزيل إواليات وأسس تجويد التعلمات، وما يعززها أو يؤسس لها من تخطيط و توجيه .
هذه البنية الجديدة  لمركز القرار، جعلت الرؤيا المهيمنة في وزارة التربية الوطنية تسير في اتجاه تهميش مهنة التفتيش على مستويات عدة، بدءا من الإزاحة عن مصادر اتخاذ القرار الإداري أو التربوي مركزيا وجهويا وإقليميا ، و وصولا لباقي مجالات التدخل الرئيسية في وضع التصورات و المخططات الاستراتيجية ، كالإصلاحات التربوية المتعاقبة مثلا .
ولقد تمكن هذا التوجه فعلا من تحقيق الإقصاء النهائي لجهاز التفتيش من الرقابة على مجال التدبير بشقيه الإداري والتربوي ، و لم تستثن من محاولات الإقصاء إلا بعض العمليات التي لم يجد لها قياديو هذه الانتكاسة بديلا عن المفتش، كعمليات الوضع المركزي و الجهوي لأدوات التقويم الإشهادي، وعمليات أخرى محدودة لم يتمكن مركز القرار من بلوغها لارتباطها بمستوى تشريعي عال تتداخل فيه اختصاصات باقي الوزارات، كامتحانات الكفاءة و الترقية، والتي لم تنج بدورها من محاولات التطاول عليها ميدانيا، كللت بالفشل لحد الساعة .
لكن بعد الذي حصل خلال الموسم السابق أثناء تنزيل منهجية تشكيل المجلس الأعلى للتعليم، وبعد إخراج قانون الإقصاء المدروس لهيئة التفتيش من التمثيلية الجهوية في المجالس الإدارية للأكاديميات، أصبحت الرؤيا العامة و الخاصة لما يحاك وينفذ كمصير لهيئة التفتيش واضحة وجلية لا تحتاج لتفسير، يجمع عليها كل متتبع للشأن التعليمي بالمغرب، وسبق أن عاينا تنفيذ مثيلاتها تجاه شرائح أخرى، وهو ما اصطلح على تسميته إداريا بالوضع في طور الانقراض.
ما حصل بنيابتي الجديدة و سيدي بنور خلال الأيام الرمضانية الأخيرة من الموسم الجاري، من إقصاء و منع عمدي لهيئة التفتيش من ممارسة اختصاص دقيق و خطير يحدده لها التشريع الرسمي بصفة واضحة وصريحة ، بغض النظر عن الجهة المسؤولة عن هندسته ، و دون الخوض في تصنيفه عمديا كان أم عرضيا، يسير في نفس الاتجاه الذي ترسمه الصورة القاتمة و الحقيقية التي وصفناها أعلاه، والتي تستهدف الإجهاز على مهنة التفتيش، تارة بتشريع النصوص التي تغيبه من اختصاصات يحددها له القانون الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية بالمغرب، وتارة بتفويض اختصاصاته لغيره من الأطر حتى و لو تعارض ذلك مع النصوص التشريعية السارية المفعول، تارة بالاستغفال والتمويه عن المقاصد الحقيقية تحت ذريعة إكراهات الواقع، وتارة بالتهريب السري و الدسائس المبرمة بالليل على حد تعبير علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .

حينما ينتفض جهاز التفتيش بقوة ضد هذه القرارات أو الانحرافات ، فإنما حجته المقاومة المشروعة ضد حرب إبادة للجهاز، تسير ضد القانون بصفة خاصة وضد مصلحة التلميذ و المدرسة العمومية و التعليم بصفة عامة، مقاومة كانت وستبقى مشروعة مادامت التوجهات صادرة عن الأهواء في الخفاء،  ضد القوانين و التشريعات الرسمية، كما ضد المعلن عنه من سياسة تعليمية للدولة، ولإن كانت النية صالحة وتتطلب من هذا الجهاز الطاعة و التقبل فما على الوزارة الوصية و أهل التشريع إلا اتخاذ القرارات صريحة علنية قانونية، آنذاك نذعن و ننفذ و نعلن على الأشهاد : إننا من اغتيال التعليم و الجودة براء …
عبد اللطيف حراثي : مفتش تربوي