كلمة السيد “مولاي الحسن الداكي” الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة بمناسبة الندوة الإقليمية

كلمة السيد “مولاي الحسن الداكي” الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة بمناسبة الندوة الإقليمية

كلمة السيد مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة بمناسبة الندوة الإقليمية المنظمة من طرف اللجنة الأوربية لنجاعة وفعالية العدالة بتعاون مع الشبكة الأوروبية لمصالح تفتيش العدالة والمفتشية العامة للشؤون القضائية بالمغرب تحت عنوان: “نحو إنشاء شبكة البحر الأبيض المتوسط لمصالح تفتيش العدالة”*

الدار البيضاء 11 ماي 2022

بسم الله الرحمـان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين

– السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

– السيد المفتش العام للشؤون القضائية؛

– السيد رئيس المفتشية العامة للعدالة بفرنسا ورئيس الشبكة الأوربية لمصالح التفتيش القضائي؛

– السيد ممثل مكتب مجلس أوربا بالرباط؛

– السيد ممثل الاتحاد الأوربي؛

– السيدات والسادة المسؤولون القضائيون؛

– حضرات السيادات والسادة كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه؛

تغمرني سعادة بالغة وأنا أشارك معكم افتتاح أشغال هذه الندوة الهامة التي تنظمها اللجنة الأوروبية لنجاعة وفعالية العدالة بتعاون مع الشبكة الأوربية لمصالح تفتيش العدالة والمفتشية العامة للشؤون القضائية بالمغرب في إطار برنامج الدعم الإقليمي لتعزيز حقوق الإنسان ودولة القانون والديمقراطية في الجنوب المتوسطي.

وبهذه المناسبة اسمحوا لي أن أنوه بمجهودات القائمين على تنظيم هذه الندوة وعلى اختيارهم للمغرب من أجل عقد أشغالها، التي ستعرف مناقشة مواضيع ذات راهنية بالنسبة للتفتيش القضائي بمشاركة العديد من المختصين في هذا المجال وخبراء من داخل المملكة ودول حوض البحر الأبيض المتوسط في بادرة تروم إنشاء شبكة البحر الأبيض المتوسط لمصالح تفتيش العدالة، وهي البادرة التي ستساهم لا محالة في تبادل الخبرات بين مختلف أطراف هذه الشبكة، كما ستشكل فضاء مفتوحا لمناقشة المواضيع ذات الصلة بالتطورات التي يعرفها مجال التفتيش القضائي.

حضرات السيدات والسادة؛

لقد كان موضوع التفتيش القضائي ومازال يحظى باهتمام كبير داخل الوسط القضائي بالمغرب، بالنظر لارتباطه بدوره في تخليق منظومة العدالة التي تعتبر أحد المداخل الأساسية لتخليق الحياة العامة، وبالنظر أيضا للدور المعول عليه للرفع من النجاعة القضائية، وفي هذا السياق ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يؤكد على تفعيل الرقابة المؤسساتية للعمل القضائي، حيث دعا في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب إلى ضرورة (….. تأهيل الهياكل القضائية والإدارية ….، لتمكين المسؤولين القضائيين من الصلاحيات اللازمة، بما في ذلك تفعيل التفتيش الدوري والخاص بكل حزم وتجرد) انتهى النطق الملكي السامي.

واستحضاراً لأهمية التفتيش في النظام القضائي، فقد حرص دستور المملكة لسنة 2011 على تمكين المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة التأديبية من بنية مساعدة في هذا المجال ممثلة في قضاة مفتشين من ذوي الخبرة كما نص على ذلك الفصل 116 من الدستور.

كما يعد موضوع التفتيش القضائي من بين المحاور الكبرى التي خصها ميثاق إصلاح منظومة العدالة بعدة توصيات أكدت جلها على ضرورة تعزيز دوره وهو ما يتجلى من خلال:

– إلحاق المفتشية العامة للشؤون القضائية بهياكل المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

– إناطة مهمة التحري والتحقيق والمراقبة بالمفتشية العامة للشؤون القضائية، بما يمكن من تقييم وسير المحاكم، وأساليب أدائها، وتوحيد مناهج العمل بها، والكشف عن الإخلالات المهنية بهدف تقويمها، واقتراح الإجراءات والوسائل الكفيلة بالرفع من النجاعة القضائية، وكذا البحث في وقائع محددة وإعداد تقارير بشأن ذلك، ورفعها إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

– تمكين المسؤولين القضائيين بمحاكم الاستئناف من القيام بتفتيش دوري للمحاكم التابعة لدائرة نفوذهم، وإعداد تقارير بشأن ذلك ورفعها إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وهي التوصيات التي وجدت طريقها للتنفيذ من خلال إدماج المفتشية العامة للشؤون القضائية ضمن هياكل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمقتضى القانون التنظيمي رقم 100.13 المؤرخ في 26 مارس 2016، وكذا اعتماد القانون رقم38.21 المؤرخ في 26 يوليوز 2021 المحدد لتأليف المفتشية العامة للشؤون القضائية واختصاصاتها وقواعد تنظيمها وحقوق أعضائها وواجباتهم.
وبذلك أصبح المغرب يتوفر على قانون موحد يؤطر كافة أصناف التفتيش القضائي، حيث خول للمفتشية العامة مهمة القيام بالتفتيش المركزي لمحاكم المملكة، وكذا الإشراف وتتبع التفتيش اللامركزي وذلك بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة في الشق المتعلق بالنيابات العامة باعتبارها السلطة الرئاسية التي تشرف على عمل النيابات العامة ومراقبتها، كما تم تحديد آليات إجراء التحريات والأبحاث فيما قد ينسب إلى القضاة من إخلال يمكن أن يكون محل متابعة تأديبية، فضلا عن تمكينها من اختصاصات أخرى.

حضرات السيادات والسادة؛

إن أهمية التفتيش القضائي لا تنحصر فقط في الجانب التأديبي للقضاة ودوره في تخليق منظومة العدالة بل إن للتفتيش القضائي أدواراً أخرى يمكنه من خلالها المساهمة في تحقيق النجاعة المطلوبة وذلك من خلال تتبع تقييم الأداء القضائي للمحاكم استناداً إلى مؤشرات قابلة للقياس، وتحسين الأداء القضائي والرفع من جودته والمساهمة في توحيد العمل القضائي بالمحاكم، كما يعتبر التفتيش القضائي آلية من شأنها العمل على رصد الإخلالات والمعيقات التي تحول دون الرفع من النجاعة القضائية والوقوف على مدى تنفيذ وتفعيل التوصيات التي ترد في تقارير المفتشية العامة وهو ما من شأنه أن يساهم في الرفع من نجاعة أداء العمل بالمحاكم ويعزز من منسوب ثقة المواطن في العدالة ويرسخ مبادئ النزاهة والشفافية والقيم الأخلاقية في مرفق القضاء.
حضرات السيادات والسادة؛

إن الأدوار المنوطة بالتفتيش القضائي في خضم التحولات المتسارعة التي يعرفها مجال العدالة أصبحت تفرض عليه مواجهة مجموعة من التحديات بسبب تطور أساليب الفصل في المنازعات القضائية واعتمادها لآليات بديلة في التحكيم والوساطة كحل للخلافات، فضلا عن تطور آليات العمل التي أصبحت تجنح يوما عن يوم نحو رقمنة الإجراءات واعتماد التقاضي عن بعد وغيرها من الإجراءات، مما بات يتطلب من أجهزة التفتيش القضائي مواكبة التطور الذي يعرفه العمل القضائي، سواء في الشق المتعلق بأساليب العمل التي أصبحت تعتمد في كثير من الأحيان على الوسائل التكنولوجية في ظل رقمنة العدالة. أو فيما يخص تشعب المواضيع والاختصاصات التي أصبح يشتغل القاضي في نطاقها، وهو الأمر الذي يدعونا إلى التفكير في تبني مقاربة التفتيش القضائي المتخصص بغية تحقيق نجاعة أفضل، والانفتاح على التجارب الدولية الفضلى وتبادل الخبرات في هذ المجال.
لقد حان الوقت للتفكير في توحيد مناهج التفتيش القضائي من خلال وضع معايير تؤطر عمل المفتش القضائي، والتأكيد على تبني مبادئ توجيهية عملية تمكن أجهزة التفتيش القضائي من أداء مهامها بالشكل المطلوب مع ما يقتضيه هذا الأمر من تعبئة الموارد البشرية والمادية الكفيلة بتحقيق ذلك وفق المعايير الدولية المتعارف عليها خارج نطاق المراقبة بما يضمن تحقيق الرسالة السامية للقضاء.

حضرات السيادات والسادة؛

في ختام هذه الكلمة أتوجه بالشكر الجزيل إلى كل المنظمين لهذه الندوة العلمية الإقليمية المتميزة وإلى كل من ساهم في إنجاحها، كما أجدد شكري وامتناني لكل الحاضرين والمشاركين في أشغالها، متمنيا لها النجاح وأن تتمخض عنها توصيات كفيلة بتعزيز التفتيش القضائي وطنيا وإقليميا بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وأن تكون اللبنة الأولى في فتح نقاش مستمر بهذا الخصوص يهدف إلى توحيد مناهج العمل وتبادل التجارب الدولية في هذا المجال، في أفق تحقيق الأهداف المرجوة من إصلاح منظومة العدالة ببلادنا وفق المقتضيات الدستورية وتفعيلا لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس في مجال العدالة أعز الله أمره وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه السعيد الأمير مولاي رشيد، وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.