” حمَامْ الشُّبِّيكْ .. ما نبِيعَكْ وَ لا نشْريكْ .. يا وْحَيْدَة و فِينْ انلاقيكْ .. “

” حمَامْ الشُّبِّيكْ .. ما نبِيعَكْ وَ لا نشْريكْ .. يا وْحَيْدَة و فِينْ انلاقيكْ .. “

               الباحث :عبد الرحيم شراد
في سنوات شبابي كنت أقضي أجمل أيام العطل في مدينة سيدي قاسم . عادة دأبت عليها منذ الطفولة . أترك الدارالبيضاء مسقط الرأس و أركب أول قطار نحو سيدي قاسم . هناك أشعر بالإنتماء للقبيلة . و في سيدي قاسم سمعت أول الأمر بعض النسوة من ” أولاد ادليم ” ، و هي فخذة من الشراردة يتغنين بهذه الأغنية الجميلة و يحرصن أكثر من مرة على ترديد المقطع التالي و إعادته أكثر من مرة .. ” لَحْمَامْ وايا لَحْمام .. لَحْمَام اللي في الصَّحْرا .. دَاوِيه أيا زَهْرة .. ” . هي شَفْرَة لا يستطيع فكَّ معناها إلا من هو شرادي و عاش في تلك الفترة . إن المقصود بزهرة في غناء النسوة ، هي ” زهرة بوسلهام ” زوجة الجنرال أحمد الدليمي ( لَحْمام اللي في الصحرا ). و المعروف على أولاد دليم الذين يستقرون بمنطقة زكوطة بسيدي قاسم أن موطنهم الأول هو الصحراء . إن هذا المقطع الذي ذكرت هو مجرد إضافة لكلمات الأغنية الأصلية و هي أغنية قديمة من تراث الشراردة . كاتبها أشار في الغناء إلى الحروف الأولى التي ترمز لإسمه ” حرف الكاف و حرف الجيم ” . عنوان الأغنية هو ” لَحْمام الشَّرَّادي ” و موضوعها هو الحب العذري الذي يجعل شابا يتعلق قلبه بحب شابة كلما مر أمام بيتها إلا و يراها تقف خلف شُبَّاكِ النافذة الذي بجانبه عش حمام . فيخاطبها قائلا..” حمَامْ الشُّبيك .. يا هاهاهْ .. على ربِّي وُرْديه و أنا نحضيه ” .. ( و كأنه يقول لها .. لقد أعجبني الحمام الذي يقف عند شباك نافذتك .. أسألك الله أن تسقيه الماء و أنا سأتعهد بحراسته ..) . إن الكلام هنا مُبَطَّن ، ليس المقصود به ظاهر المعنى . فالفتاة تقف خلف النافذة و هناك جيران قد يسمعون الكلام . لذلك فإن الشاب و الشابة سيلمحان لبعضهما من خلال حديث قد يبدو عاديا في الظاهر . لكن هو في حقيقته كله بوح . تسأل الفتاة الشاب المغرم بها أي حمام تقصد . فيجيبها ” لَحْمام هو لَحْمامْ ” . إن الفتاة تعطيه وعدا باللقاء .. ” ولد بلادي و حدر عينيك .. فين ما كان الزين يجيك ..” و هنا يطلب منها أن تحدد له مكان اللقاء .. ” يا وْحَيْدة و فين نْلاقِيك .. ” . لكن قبل أن تحدد له المكان و لسوء الحظ تستيقظ الجارة حليمة على صوتهما و توقظ زوجها النائم .. ” احليمة دَارْ نحاسك .. احليمة سُمْعة لَغْيارْ ( أي الجارة حليمة معتادة على الشر و الخصومات ) .. فيْقتْ راجلها دَغْيا .. ” . و كعادة المغاربة في مثل هذه المواقف حين ينتهي أمر قبل أن يكتمل فإننا نقول ” الصلا على النبي ” . لذلك فإن الشاب يقول .. ” الصلاة على بلقاسم .. صاحب الآية و الخاتم .. الصلاة على قد الجيم ( أي حرف الجيم و هو الحرف الأول من إسم الشاعر ) .. على قد الهجالة مع اليتيم ( أي الصلاة على الرسول بعدد الأرامل و الأيتام و هو هنا طلب للكثرة ) .. الصلاة على قد الكاف ( الحرف الأول من لقب الشاعر ) على قد البحر و ما شافت عيني لَجْراف ( أي منطقة جرف الملحة بمنطقة سيدي قاسم ) .. الصلاة على مول الواد ( أي صاحب النهر و هو الرسول (ص) مصداقا لقوله تعالى ” إنا أعطيناك الكوثر ” .. ) . لا أحد رأى الكوثر ، لكن الشاعر يعرف أن أنهار الأرض جميلة مثل واد ارْضَم الذي يوجد على ضفته في مدخل باب تِيسْرَة ، ضريح الولي الصالح سيدي قاسم بوعسرية .. ” الويدان فيها الرمان .. تصَنَّت أيا الفنان في سيدي قاسم بوعسرية .. ” .بقي أن أشير إلى أن هذه الأغنية قد نجدها في أحواز مراكش حيث الشيخ أبو العباس الشرادي و زاوية سيد الزوين الشرادي النسب و كذلك بمنطقة تارودانت حيث كانت كذلك الزاوية الشرادية . و من بين المقاطع الجميلة التي نجد في كلمات هذه الأغنية .. ” اللي بغيتو ما لقيتو .. و اللي ما بغيت سلطو الله اعليا .. الزين اللي في السطح .. هَوَّدْ أوا للمراح .. يشوفوك الناس .. اللي بغى يشوف يشوف .. و اللي بغى يموت يموت .. و اللي بغى حرامو يحضيه ( معنى حرامو – ما يدخل في حرمات الرجل ) . أتمنى أن أكون قد سلطت بعض الضوء على هذه الأغنية الجميلة و كشفت عن هويتها التي كادت أن تطمس حتى أن البعض اعتبرها من الغناء الزعري بينما هي غناء شرادي خالص .
تحياتي و خالص المودة و التقدير أصدقائي و صديقاتي .