تساريت عليكْ البهجة ، تادلة ، عَبْدَة و الشاوية

تساريت عليكْ البهجة ، تادلة ، عَبْدَة و الشاوية

ذ.الباحث:عبد الرحيم شراد

إن الكلام هنا هو” للخَضْرَة ” الفتاة العبدية العاشقة و هي تناجي طيف حبيبها الغائب عن عينيها . أليست هي التي قالت ” خاوية بلاد .. و معمرة بلاد .. في جرة بضاض ” . و ما هذه البلدان إلا ” البهجة ، تادلة ، عبدة و الشاوية ” . سبق و أن قلت أن عيطة ” الشاليني ” هي مجموعة من القصائد الغنائية ، المكتوبة بأسلوب أوبرالي . يحكي قصة حب رومانسية . إن كاتب هذه القصائد و واضع لحنها ، هو في الغالب شخص مطلع على فنون الأدب . عالم بأصول الموسيقى و مولوع بفن العيطة . لكن وضعه الإعتباري و مركزه الإجتماعي لم يكن يسمح له بالإفصاح عن نفسه . ربما كان يشتغل في القضاء أو يتولى منصبا مهما في دار المخزن . أو ربما كان فقيها عالما . الله وحده يعلم . إن هذا الشخص ترك لنا مجموعة من القصائد التي يجمعها خيط درامي ناظم هو رحلة بحث ” الخَضْرَة ” عن حبيبها . سبق و أن أشرت في تدويناتي السابقة إلى بعض فصول هذا العمل الإبداعي الراقي و هي ” الشاليني ” ، ” مول الكوتشي ” ، ” دابا يجي يا لكبيدة دابا يجي ” . و اليوم سأشير إلى فصل رابع و هو ” ما أنت جاري و لا قريب لدواري ” . أتحدى أي مطرب شعبي أن يزعم على القول أنها أغنيته . فهذا الذي سيزعم ذلك سأكشف زيف ادعاءه بمجرد شروعه في الغناء . بحيث سيقول ” ماهو جاري و لا قريب لدواري .. المحبة اللي جابتو يا عينيا ” . إذا كان المطرب لا يفقه التراكيب اللغوية فعلى المستمع أن يفهم الكلام على قواعده و أصوله . إن الجمع بين الحديث بأسلوب الغائب ” ما هو جاري ” و أسلوب المُخَاطَبِ ” يا عينيا ” لا يستقيم . خصوصا و أن بقية أبيات القصيدة جاءت كلها بأسلوب المُخَاطَب . لذلك فالصواب هو أن ” الخَضْرة ” تناجي طيف حبيبها و تقول ..” ما أنت جاري و لا قريب لدواري .. المحبة اللي جابتك يا عينيا .. ” . بعد هذا المطلع هناك دليل آخر يمكن أدحض به مزاعم من يدعي أنه صاحب هذه القصيدة . إن غناءه سيكون هو الشاهد على كذبه حيث سيردد في الغناء العبارة التالية ” الليل أبابا الليل ” . إن هذه العبارة ” نشاز ” لا يقبلها المعنى العام للقصة . أما الصواب فهو ” وُلِّي يا بابا اللِّي ” . إن ” الخَضْرَة ” تتوسل حبيبها أن يعود ” وُلِّي ” (أي عُدْ ) .. ” يا بابا ” ( عبارة تحمل معاني التودد و الملاطفة مع كثير من الدلال ) .. ” اللي ” ( أي الذي ) . إن معنى الكلام باللغة العربية هو كالتالي ” عُدْ يا حبيبي ، الذي أذرفت عليه دموعا لم أذرفها على أبي .. إن دموع المحبة حارقة يا حبيبي ” .. تقول ” الخَضْرة ” .. وُلِّي يا بابا اللي بكيت عليك ما بكيت على بويا .. دموع لمحبة حارِّين أعينيا ..ولي يا بابا اللي بغَيْنا وجهك ما بغَيْنا طَمْعِيَّة .. سيدي محمد ( هنا لأول مرة تفصح عن إسمه ) سيدي محمد يا مريود عينيا ( أنت المِرْوَدُ الذي أكتحل به . أريد أن أراك ) .. ولي يا بابا اللي .. تساريت عليك البهجة ، تادلة ، عبدة و الشاوية .. ولي يا بابا اللي ..” إنها ترجوه أن يأتي لخطبتها و أن يحضر معه الهدايا التي تلزم هذه المناسبة السعيدة .. ” جيب القفطان و جيب السبنية .. جيب الحولي كتفو بين ايديا .. ( إن الخروف للخطوبة أما الزواج فيلزمه ذبح بقرة ) .. تكون ذبيحة فارضة بَلْدِية ( أي بقرة كبيرة من النوع البَلْدي ) .. جيب الخاتم ركبو لي في ايديا .. ” .. بعد هذا ستسلمه يدها و مفتاح غرفتها الخاصة .. ” هاك الساروت حُلْ باب المَصْرية ( المَصْرية ، هي غرفة خاصة في البيوت المغربية القديمة ، تكون عُلْوية مرتفعة عن بقية غرف الدار بمتر أو مترين لا نصعد إليها إلا بدُرْج ) . إن ليلة الدخلة ستكون في هذه ” المَصْرية ” .. ” سيدي لحبيب آ لعزيز عليا .. ولي يا بابا اللي .. نديروا ليلة زاهية .. فيبلاد الشاوية .. تبات الشماعي كَادية في لَحْساكي فضية .. ( لحساكي جمع حسكة أي الشمعدان ) .. و هكذا إذا كانت ” الخَضْرة ” أن يحضر و معه الهدايا فإن الفصل الذي سيأتي بعد هذا هو الفصل الذي يعبر عن فرحة ” الخضرة ” بحضور حبيبها ” سيدي محمد ” حيث النهاية السعيدة و فرح اللقاء و العرس و هو الفصل الذي جاء في القصيدة الشعبية التي كثيرا ما نتغنى بها دون أن نعرف أنها مرتبطة بهذه القصة الجميلة . حيث تغني ” الخَضْرة ” و صُوَيْحِباتها من الشيخات ” لالة .. لالة على بوكمية .. جاب الحولي مكتفو بين يديا .. ” .سأعود إن شاء الله للحديث عنها في تدوينة قادمة . تحياتي و كل المودة .. شكرا لكل من بارك لي عيد الفطر . محبتي لكم بلا ضِفاف .