العالم اليوم: صراع الرأسمال الرقمي و المد الاشتراكي التاريخي.

                      عزالدين بوخنوس

إن ما يعيشه العالم اليوم من تطاحنات ليس وليد اللحظة بل امتداد لمحطات تاريخية لازلنا نخدع لصداها وأفقها.ولعل أبرز هذا النزاع الوجودي حاليا هو الحرب الروسية الأكرانية.إن فهم العالم بشكله الحالي يقتضي الرجوع إلى الحرب الباردة وتجادب الايديولوجية الرأسمالية مع نقيضتها الماركسية.

لاشك أن اختراع أول محرك ينفجر سنة 1860 لعب دورا مهما في زيادة الإنتاج وبالتالي تراكم الربح لفائدة مالكي وسائل الإنتاج.وفي مقابل ذلك فقد تعمقت أزمة الطبقة العاملة.إن النظام الليبرالي عرف منعطفا مهما نتيجة تضاعف الإنتاج وسيطرة أقلية على الربح والرأسمال.إنها بداية النظام الرأسمالي، الوجه البشع لليبيرالية.وأمام هذا التغول الاقتصادي ولدت نظرية الفيلسوف الألماني كارل ماركس التي تعتبر أن العلاقة الغير المتكافئة بين طبقة مستغلة(بكسر الغين) واخرى مستغلة (بفتح الغين)هي محرك الصراع الطبقي.إن البرجوازية وهي الأقلية المالكة لوسائل الانتاج تجهز على حق الطبقة العاملة بشرائها قوة العمل بثمن بخس.وبالتالي إغناء مستمر لأقلية على حساب أكثرية.من هنا نشأ الفكر الاشتراكي كنقيض للرأسمالية المتوحشة.هذه النظرية الجديدة لم تطبق على أرض الواقع إلا في 1917 خلال الثورة الروسية ونشأة الاتحاد الروسي الشيوعي السوفياتي (URSS).ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 تشكل قطبين متناقضين كل منهما يريد أن يتوسع ويبسط أسلوبه وتصوره.تشكل حلف الناتو(OTAN) 1949بقيادة الولايات المتحدة.ثمان سنوات بعد ذالك، القطب السوفياتي يمضي على معاهدة ڤارسوڤي بقيادة الاتحاد الروسي الشيوعي السوفياتي.إنها الحرب الباردة التي تخللتها أزمات عدة كإنشاء وتدمير جدار برلين،حرب أفغانستان،أزمة كوبا…لكن إعلان غارباتشوف عن حل الإتحادي الروسي الشيوعي السوفياتي في1991 نتيجة الأزمة الإقتصادية بين بالملموس أن النظرية الماركسية غير قادرة على خلق القيم التي تحمل.إن نهاية الحرب الباردة فرز نظام عالمي جديد في بداية التسعينات عنوانه « الرأسمالية المواطنة».

لقد رافق هذا الصراع بين الرأسمالية والماركسية تطور رقمي بدأ في 1972 وفي بداية القرن العشرين أثر بشكل كبير على الشق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

إن ظهور الانترنت ساهم بطريقة أو بأخرى على تحول الاقتصاد الكلاسيكي إلى الاقتصاد الرقمي«e-commerce» حيث أن المقاولات الرقمية أصبحت مالكة لراساميل ضخمة وأغلبها يتمركز في الولايات المتحدة الأمريكية.هكذا فملاك هذه الشركات هم من أثرى أغنياء العالم.ونذكر على سبيل المثال «facebook»،«apple»
«،amazone»…
لقد أصبح مؤسسوا هذه المقاولات الرقمية ينغمسون في العمل الاجتماعي والإنساني ويشجعون السياسيين في ربوع العالم على ذلك مستعملين القروض المالية للدول كتحفيز من أجل الإنخراط بل وتبني مخططات وا
ٱستراتيجيات مهدت لإخضاع أنظمة برمتها لمزاج الصناديق المالية العالمية.إنها عولمة العالم حيث يكفي أن تملك المال لتسيطر على السياسة.أما من الناحية الاجتماعية فالهواتف الذكية وسائل الإتصال من أبرز قنوات تصريف البروباغندا والإلهاء.لقد أصبح المواطن ينجرف وراء المعلومة وبالتالي سهل البرمجة.ولعل تسهيل حياة الأشخاص من خلال هذا التطور التكنولوجي وارتباطه الطبيعي الآن لخدمات التواصل،والعمل،والإكتشاف عن بعد من أهم الأشياء التي خلقت العالم كما هو الآن.لكن الصراع مازال مستمرا في إطار نظام رأسمالي رقمي.وما الحرب بين أوكرانيا وروسيا ليست سوى امتداد لمحطات كانت فيها رغبة القوة الوحيدة والقيادة الواحدة هي المبتغى.

لا شك هذا العالم الذي نعيش فيه مختلف كثيرا عن عالم عشناه قبل وباء كوفيد19،وقبل بداية الحرب.إن البطالة وغلاء الأسعار ما هي إلا تمظهرات لإستمرار الزحف والمقاومة،إنها عودة روسيا لمجابهة القطب الأمريكي وبين تصوير روسيا مجرما أمام العالم فالولايات الأمريكية تدمر أوكرانيا بقراراتها الإستراتيجة.أما روسيا فلا بديل لها إلا الحرب إما مهاجمة أو مدافعة عن إعتراضها الشرعي على انضمام أوكرانيا إلى الناتو.لكن ما هو أكيد أن العودة لإتفاق 1991 هو الحل الوحيد لإنشاء هدنة مؤقتة،لأن خريطة العالم بدأت تحاك من جديد منذ إنشاء الأمم المتحدة1945 واطلاق برنامج مارشال«plan Marchal».فهل حان الوقت لتطوير براديكم «paradigme»التعايش؟هل سيتمخض العالم نظام رأسمالي رقمي عالمي أم أن كلمة النظام الاشتراكي الشمولي سيكون لها رأي آخر؟