أمي، ملكة جمال أركان

                            الطيب أمكرود
قبل أن تنتبه السلطة وأرباب الرساميل بعشرات القرون لأهمية اركان ومميزاته المختلفة، سن أجدادي “أكدال” قوانين لحمايته وتثمينه، ونقشوها على ألواحهم.
في تمصريت، يجتمع الحكماء إنفلاس، يشرعون ويبصمون على قوانين تسير بها شؤون القبيلة، وكانت جداتنا الحريصاتِ على رعاية اركان وتتبع سلسلة إنتاجه إلى أن يستهلك.
تسهر نساء القبيلة ومنهن أمي على حفظ سلسلة إنتاج أركان من الإزهار إلى الإثمار إلى النضج والتجميع والتخزين فلاستهلاك، وتعرف أمي قيمة كل جزء من شجرة أركان وكل حبة من حباته المباركة، فقشرته الخارجية أليg علف للأبقار والأغنام، وقشرته الداخلية irgn طعام للنار التي يحتاجها البيت لطهو الطعام وتحميص حبات الأركان نفسه، ونواه تيزنين، بتفخيم الزاي، خزان لزيت خالد بلغ العالمية، منه طعامها وجمالها، تحمص وتطحن وتعصر، ويستخرج منها زيت للاستهلاك يبلغ ثمن اللتر منه خمسين دولارا اليوم في السوق المحلية ومئتين في السوق العالمية، وtazgmmut نوع آخر من أجود انواع الأعلاف يستخرج بعد العصر ويرصد للتجميل وتنظبف الشعر وتلميع وتسمين العجول والتيوس والأكباش.
تقدر أمي كل جزيئة من جزيئات أركان، وتتقن بمهنية عالية وتدرك كل مراحل إنتاجه وتخزينه، ولا تضيع منه أبخس مكوناته.
خلال ماي من كل عام، وطبقا لقانون أكدال الخالد والصارم، يتوقف أبناء مناطق أركان عن دخول مجاله مهما كانت الظروف، يمنعون الرعي والجمع والالتقاط، تنتهي فترة أكدال، فيعلن البراح فتح مجال أكدال أمام ذوي الحقوق في يوليوز وقد نضجت حبات الشجرة المباركة وتساقط أغلبها طوعا على الأرض.
يكون ذاك اليوم كيوم العيد، واليوم يوم صيف قائظ في مناطق أركان الشديدة الحرارة، نستيقظ باكرا بعد الفجر، يهيئ الوالد والوالدة المتاع والدواب والحاويات إشوارين وكل حاجياتهم، وعلى وقع توجيهات وتحذيرات أبي من يوم حار اعلن مقدماته وتكلف الصرار بالتذييع، يتناول الجميع وجبة إفطار حيحية مكونة من براد شاي بنعناع أيت واضيل وخبز أنخدام/ أفلون ساخن مطهو على خشب أركان، وآنيات متنوعة من زيت اركان وزيت زيتون وزبدة بلدية… ، ثم يهرولون نحو أملاك العائلة ومن يشاركهم الموروث.
يتوقف الجميع تحت شجرة بإشارة من القائد الوالد:
Khtad a gh rad nsat tigri, ghid a igan winngh.
من هنا سندشن عملية الالتقاط، من هنا يبدأ ملكنا.
ينزلون متاعهم من على الدابة، يرتبون كل شيء، تعقل البهيمة، وتخبأ قنينات الماء البارد بعناية تحسبا للحرارة التي تبشر بها تباشير الصباح الصيفي وأصوات الصرار التي انطلقت ساعات قبل الفجر.
تلتقط الأنامل الصبورة حبات الأركان واحدة واحدة في حيطة تامة من أي مباغثة من أفعى او عرب سامة، من بين الأشواك، تدمي فتبتسم الأفواه، كيف لا نبتسم وقد ردد أهلنا على أسماعنا:
Wanna iran tammnt iZZiDr igh as qqsnt tizzwa
ومؤداه أن الوصول للعسل يقتضي الصبر على لسعات النحل المؤلمة.
كل من ملأ آنيته بالحبات تيفياشين يفرغها في أشواري، شيئا فشيئا تتسلل أشعة الشمس الحارقة من بين أغصان تارgينين، يتوجه أبي إلى الماء البارد ويطفئ عطشه:
Iga as bRka ikccuDn
( حرارة شديدة في الأفق.)
يعلن نهاية العمل، نجمع حصيلة اليوم ومتاعنا ونسرع الخطى هربا من حرارة يوليوز التي تلفح الوجوه.
تفرغ الحبات في زاوية من البيت معرضة لأشعة الشمس، يتوالى العمل بنفس الطريقة إلى أن تجمع كل الحبات حبة حبة، تجف فتخزن في غرفة مخصصة لتخزين أفياش.
إنها حلقة من حلقات سلسلة إنتاج اركان، قبلها حلقة المحافظة عليه بعد الإزهار والإثمار من التلف والإتلاف، وبعدها حلقات كثيرة ومعقدة، أولاها بعد الشروع في الاستهلاك عملية إزالة القشور الخارجية الطرية أليg والمسماة asfiyych، ثم تكسر الحبات الصلبة aqqayn، حيث تستخرج النوى tiZnin لدقة عالية بكسر الحبات يدويا حبة حبة مع تحاشي انشطار الحبة ibrrayn, أو التصاق الحبة بالقشرة الصلبة ighwayn، تجمع الحبات، تنقى يدويا من الشوائب، تحمص في أفلون يدويا على نار وقودها حطب اركان، فتنتشر رائحة تيزنين سلينين الزكية في كل الأرجاء، تعبأ الحبات المحمصة في سلة من الدوم aryal, وتحمل إلى رحى نظفت بعناية قبل الاستعمال والتي تصب في تاقسريت.
تدير أمي الرحى رويدا رويدا، وتفرغ بين الفينة والأخرى حفنة من تيزنين في عين الرحى، ترفعها بين الفينة والأخرى وتسمع الصوت الذي يصدره أملو، حتى تنهي عملية الطحن إيزيض، والتي قد تستغرق ساعات حسب كمية النوى المحمصة.
تعلم الخبيرات من النسوة في مجال أركان أن الطحن يعقب التحميص فورا، وإن حدث ان تأخر عنه تخدثن عن أصميض ن أوسلاي، وترفقن كل العمليات بترديد الأشعار الأمازيغية المتوارثة جيلا عن جيل.
ولأن اركان ثمين، لا يترك على الرحى اي شيء من أملو، فكل جرعة منه يجب أن تستثمر، تحمل تقسريت إلى زاوية اخرى وتدشن عملية العصر.
تحكي أمي انها وهي صغيرة، وفي إطار التلمذة، كلفت من قبل والدتها جدتي إيجا بعملية العصر، أصدرت الجدة الخبيرة التعليمة وانصرفت لباقي أشغال البيت القروي الشاسع.
قضت أمي زمنا غير يسير تقلب املو ذات اليمين وذات الشمال في تقسريت دون نتيجة، بكت وعي تفشل في أول اختبار عصر أملو ن واركان، حضرت جدتي فوجدت ما تركت لأمي على حاله والمكلفة بالمهمة تتصبب عرقا وعيناها تدمعان، قهقهت جدتي وأخبرتها بسر ان تيزنين لا تعصر من دون ماء، لذلك قال الأمازيغ:
Ur ar ttiyZmant bla aman.
تحرك النسوة املو في خركات دائرية يمينا وشمالا بأيديهن الطاهرة، تضفن بين الحين والخين بضع قطرات من الماء، شيئا فشيئا تظهر كويرات ويشرع الزيت الخالد في الصفاء، تجمع الكويرات على شكل تيزgwما، يصب الزيت في قنينة زجاجية نظيفة، ويحتفل الجميع بالنتيجة عبر مزج قليل من الزيت الزكي الرائحة في قاع الآنية تاقسريت/ تازلافت بدقيق أزنبو الزكي وتقسيم لفسيس على المتحلقين حول التي تقوم بعملية العصر iZmi.
أليس هؤلاء وفي صلبهم من حافظوا على اركان ثقافة وتقنيات وفنا، وينهضون برعايته وإنتاجه في كل المراحل من يستحقون التكريم والتبجيل والتخليد؟
اوليست امهاتنا ملكات جمال أركان الحقيقيات؟