أصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقريرا موضوعاتيا حول مهنة الأستاذ (ة) – كتبت هكذا وكنت أظن أن هذا التمييز اللغوي لم يعد معمولا به – في المغرب على ضوء المقارنة الدولية.
التقرير غني جدا بالمعطيات ، لكنه حتما يقدم قراءة لها من بين قراءات عديدة ، قراءة واحدة لا يمكن للتقرير أن يدعي أنها صحيحة ، كما لا يمكن للقراءات الأخرى أن تدعي ذلك . نحن أمام كم كبير من المعطيات حول عمل الأستاذ ، والأسباب التي دفعته للتعليم ، وظروف العمل في المؤسسات التربوية، وإكراهات الزمن المدرسي ، والعدة التعليمية- التعلمية، والملاحظات العامة حول مسار الترقي، ثم – وهذا هو ما اعتمده التقرير بشكل واضح – مقارنة بين مهنة الأستاذ في المغرب ومهنة الأستاذ في دول أخرى ، لهذا جاء عنوان التقرير ” مهنة الأستاذ في المغرب على ضوء المقارنة الدولية ” . رحمة بورقية مديرة الهيئة الوطنية التقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تفتتح التقرير بكلمات معبرة عن ضرورة عمل الجميع من أجل مدرسة تقوم بدورها التعلمي والتربوي ، ثم بعد ذلك يقدم التقرير الكثير من المعطيات ، ويقارن مهنة الأستاذ في المغرب مع دول أخرى ، المقارنة ليست جيدة إطلاقا ، فلا معنى للمقارنة التربوية مع دول قوية اقتصاديا ولها تراكمات كبيرة في العلوم والبيداغوجيا ، وحتى إن أتت هذه المقارنة مع هذه الدول كفلندا التي يكتب التقرير عنها ” تولي البلدان التي تتوفر على أنظمة تعليمة عالية الأداء اهتماما كبيرا لهذه العملية ، ففي فلندا على سبيل المثال …” قلت ..حتى وإن أتت هذه المقارنة كنوع من ” المقارنة الأفضلية ” أو المقارنة مع النماذج المتميزة في العالم لتضع النموذج المغربي في وضع مستفز – والاستفزاز داع للتغير- فإنها ستظل مجرد مقارنة لا غير كما يحدث مع جميع المقارنات التي نقوم بها ، لأن الغاية من المقارنة هو محاولة الوصول أو الاقتراب بخطوات إلى النماذج المتميزة الدولية ، لكن هذا لن يتم إلا بعد تحقيق كل الظروف والشروط التي تتوفر عليها تلك النماذج ، فلا يمكن الحصول على نفس النتائج في أوضاع تربوية واقتصادية وثقافية مختلفة؛ يجب الحديث عن مدارس متشابهة ، وبنيات نفسها ، وأسر كما تلعب هناك دورا بارزا في الضبط تلعبه هنا ، ودخل فردي لأرباب العائلات متشابه أو متقارب ، ومسار ترقي محفز وليس مثبطا لهمة رجال ونساء التعليم …إن المقارنة آلية تهدف إلى الانتقال من وضع غير مرضي عنه إلى وضع أفضل لكن لا يجب حصرها في مجال واحد ، فالمجالات متداخلة ، وسيكون من الأعطاب المنهجية إسقاط كل المجالات ليتم الاكتفاء بمجال واحد ، وهذا يعني أن محاولة الرقي بالتعليم ليشبه النماذج المقارنة يعني أيضا محاولة الاقتراب منها أيضا في باقي المجالات الأخرى ، وإلا ستظل المقارنة مجرد مقارنة نظرية لا غير.
سيومي خليل